القرار الجديد لوزارة الإدارة المحلية والبيئة: هل هو خطوة نحو اللامركزية أم تعزيز للمركزية في سوريا؟

أثار القرار الأخير الصادر عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة السورية، الذي حدد مهام وصلاحيات المديريات العامة للإدارة المحلية في المحافظات، جدلاً واسعًا حول التوجه الإداري الذي تسعى الحكومة السورية الانتقالية لتحقيقه. فهل هو ترسيخ للامركزية الإدارية كما يُروّج له، أم إعادة إنتاج للمركزية بأسلوب جديد؟

هيكلة جديدة للإدارة المحلية في سوريا:

في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصدرت وزارة الإدارة المحلية والبيئة قرارًا حدد مهام المديريات العامة للإدارة المحلية في المحافظات. وفقًا للقرار، فإن هذه المديريات ترتبط إداريًا بالمحافظ وفنياً بالوزير، ما يعني أن المحافظ يظل المرجعية الأولى للإدارة المحلية على مستوى التنفيذ.

وتشمل الهيكلية الجديدة وحدات تنظيمية تعمل على مجالات حيوية مثل النقل الداخلي، والخدمات الفنية، والمناطق الصناعية والحرفية، والتخطيط الإقليمي، والمجالس المحلية، فضلاً عن مجالات النظافة وإدارة النفايات. وعلى الرغم من تحديد مهام متعددة لهذه المديريات، من بينها تعزيز مبدأ اللامركزية وتطوير الخطط البيئية والتنموية، تبقى معظم هذه الصلاحيات مرتبطة بقرارات المحافظ أو الوزير، مما يطرح تساؤلات حول استقلالية المديريات وقدرتها على اتخاذ قرارات محلية حقيقية دون تدخل من السلطة المركزية.

اللامركزية التجميلية: هل هي مجرد قناع للمركزية؟

رغم تأكيد القرار على تفعيل دور الوحدات الإدارية في تقديم الخدمات العامة، فقد وصفه العديد من الخبراء بأنه قناع للامركزية يخفى وراءه استمرارًا للمركزية. ففي الهيكلية الجديدة، يبقى المحافظ هو صاحب القرار النهائي في معظم المسائل، بينما تقتصر مهام المديريات على اقتراح الخطط وإعداد التقارير ورفعها إلى السلطات العليا.

وتُعتبر هذه الهيكلية الجديدة بمثابة بديل لمجالس المحافظات، حيث تقتصر صلاحيات هذه المديريات على المتابعة والتنفيذ، مع عدم وجود سلطات تنفيذية حقيقية. حتى البلديات، التي كانت تتمتع ببعض الاستقلالية في إدارة شؤونها، صودرت صلاحياتها لصالح الوزارة والمديريات العامة.

تصريحات الخبراء: تأكيد على استمرارية المركزية:

في تصريحاته لموقع “المدن”، قال بريتا حاجي حسن، رئيس مجلس مدينة حلب السابق، إن القرار الأخير لا يمثل تطبيقًا حقيقيًا لمبدأ اللامركزية، بل هو استمرار للمركزية بأسلوب جديد. وأضاف أن العديد من العبارات في نص القرار مثل “بناء على توجيه المحافظ أو الوزير”، تؤكد أن المديريات لا تمتلك قرارًا ذاتيًا، بل تنتظر الإذن من الأعلى لتنفيذ الخطط والمشاريع.

كما أكد حاجي حسن أن قرار تمويل المشاريع والتخطيط لا يزال بيد المركز، ما يعنى أن الوحدات المحلية تظل مغيبة عن عملية اتخاذ القرار. وبهذا، فإن اللامركزية التي تم الحديث عنها تظل مجرد عنوان تجميلي لنظام إداري مركزي.

التحديات أمام النظام الإداري الجديد:

التحدي الأكبر الذي يواجه هذا النظام الإداري الجديد هو تحول البيروقراطية التقليدية إلى نموذج فعال من الإدارة المحلية التشاركية، حيث يُمنح المجتمع المحلي القدرة على اتخاذ القرار المستقل، وإدارة التمويل المحلي عبر المجالس المنتخبة، بدلاً من أن يظل القرار في يد المحافظين والوزراء.

إقرأ أيضاً: محمد حبش: اللامركزية الإدارية هي الطريق الأنجع لمنع الاستبداد

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.