زيادة الرواتب بنسبة 200% في سوريا تُشعل الأسعار وتثير جدلاً حول آثارها المعيشية

بدأت الحكومة السورية الانتقالية خلال شهر تموز/يوليو الجاري تطبيق زيادة استثنائية على رواتب موظفي القطاع العام بنسبة بلغت 200%، في خطوة وصفت بأنها محاولة لتحسين الواقع المعيشي وسط أزمة اقتصادية خانقة. لكن هذه الزيادة قوبلت بردود فعل سريعة في الأسواق، حيث شهدت أسعار العديد من السلع الأساسية ارتفاعاً لافتاً، ما أثار مخاوف من أثر تضخمي محتمل.

زيادات في الرواتب… وأسعار السلع تتسابق

وبحسب وزارة المالية السورية، فإن الزيادات بدأت تُصرف عبر منصة الدفع الإلكتروني “شام كاش”، بهدف تخفيف الضغط عن الصرافات وضمان وصول أسرع للرواتب. وبلغت الرواتب الجديدة نحو 900 ألف إلى مليون ليرة سورية (ما يعادل 90–100 دولار بسعر السوق الموازي)، بدلاً من الرواتب السابقة التي راوحت بين 200 و300 ألف ليرة.

ورغم استقرار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار نسبيًا عند حدود 10,270 ليرة للشراء، و10,350 ليرة للمبيع، وفق بيانات منصة “الليرة اليوم”، إلا أن الأسواق سجلت ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية تراوحت بين 15 و30% خلال أيام قليلة، حتى قبل تسلُّم المواطنين للرواتب الجديدة.

مبررات من التجار… وانتقادات من المواطنين

بعض تجار الجملة عللوا هذه الزيادات بارتفاع تكاليف الشحن العالمي والطاقة المحلية، إضافة إلى استمرار انقطاعات الكهرباء التي تدفعهم للاعتماد على المولدات، ما يرفع كلفة التشغيل. إلا أن العديد من المواطنين اعتبروا ما يحدث إعادةً لسيناريوهات سابقة، حيث تسبق موجات الغلاء أي زيادة في الأجور، مما يؤدي إلى تآكل قيمتها قبل أن تدخل الدورة الاستهلاكية.

تأثير محدود على السوق… وفئات لا يشملها الدعم

ورغم تسجيل بعض الانتعاش في أسواق محدودة، خصوصاً في مناطق كدمشق الغربية وحلب الجديدة، إلا أن التحسن بقي محصوراً في فئة الموظفين الرسميين، الذين لا يتجاوزون 18% من إجمالي القوة العاملة في البلاد، بحسب بيانات منظمة العمل الدولية لعام 2024.

أما الفئات غير المشمولة بالزيادة، مثل العاملين في القطاع غير الرسمي، والنساء المعيلات، وذوي الدخل المحدود خارج منظومة الدعم، فظلّت ظروفهم على حالها، وسط مطالبات بتوسيع آليات الحماية الاجتماعية.

الحكومة: خطوة في الاتجاه الصحيح

من جهته، قال إسماعيل المقبل، مسؤول المكتب الإعلامي في وزارة المالية، إن الزيادة الجديدة “ستنعكس إيجاباً على معيشة المواطنين، وستُحدث فرقاً ملموساً”، مشدداً على أنها جاءت دون فرض ضرائب جديدة.

وأشار المقبل إلى أن “هذه الخطوة تأتي ضمن مساعي الحكومة لتخفيف حدة الأزمة المعيشية، رغم التحديات الاقتصادية والمالية المعقدة التي تمر بها البلاد.”

خلفية اقتصادية مقلقة

وتشير أرقام رسمية إلى أن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي منذ عام 2021، وفق تقارير أممية.

ورغم أن مؤشر “قاسيون” لتكاليف المعيشة أشار إلى انخفاض متوسط تكاليف معيشة الأسرة المكونة من 5 أفراد بنسبة 13% خلال الربع الأول من العام الحالي، إلا أن هذا الانخفاض لم ينعكس فعليًا على قدرة الناس الشرائية، بحسب تعليقات ميدانية.

دعوات لضبط السوق وتعزيز الحماية الاجتماعية

في ظل هذه التطورات، تبرز مطالب بضرورة اتخاذ خطوات تنظيمية لضبط الأسواق، وتوسيع الدعم ليشمل الفئات الأضعف، خاصة كبار السن، وذوي الهمم، والأسر التي تضررت من إعادة هيكلة الدعم الحكومي.

ويرى مراقبون أن نجاح الحكومة الانتقالية في تحويل هذه الزيادة إلى مكسب اجتماعي واقتصادي مرهون بإجراءات مرافقة، تضمن منع المضاربات وتحقيق استقرار نسبي في السوق، بعيداً عن ردود الفعل السريعة التي تنعكس سلبًا على الشريحة الأكبر من السوريين.

اقرأ ايضاً: مفاوضات لزيادة الغاز القطري وبدء الضخ من تركيا وشيكًا

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.