سياسة “حبس السيولة”.. انكماش نقدي يخنق الاقتصاد السوري
تواجه سوريا أزمة مالية متفاقمة نتيجة استمرار سياسة “حبس السيولة” التي ينتهجها مصرف سوريا المركزي، في ظل غياب إجراءات تحفيزية تعزز الثقة بالقطاع المصرفي وتنعش الأسواق الداخلية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه البلاد لتجاوز آثار أكثر من عقد من الحرب، يرى خبراء اقتصاديون أن الإجراءات النقدية الحالية، والتي تقيد ضخ الأموال في النظام المصرفي، تُنتج حالة انكماش خانق تهدد النشاط الاقتصادي في عموم البلاد.
تراجع الثقة وتعطّل الدورة المالية
الباحث الاقتصادي الدكتور سلمان ريا حذر من أن هذه السياسة تُحدث “اختلالات عميقة في الدورة المالية”، لافتاً إلى أن المصارف باتت عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من طلبات السحب اليومية، ما يكرّس حالة من عدم اليقين ويزيد من الفجوة بين المواطن والقطاع المصرفي.
وأكد ريا، في تصريحات لصحيفة “الثورة”، أن تقييد السيولة لا ينعكس إيجاباً على استقرار سعر الصرف، بقدر ما يحدّ من قدرة المواطنين على تلبية حاجاتهم الأساسية من غذاء ودواء، ويشلّ المحرّك الوحيد المتبقي للنمو الاقتصادي، وهو الاستهلاك الداخلي.
آثار مشابهة لتجارب دول منهارة
ويشبه ريا الإجراءات المتبعة اليوم في سوريا، بتجربة فنزويلا بين عامي 2017 و2019، حين فشلت سياسة تقليص الكتلة النقدية في ضبط التضخم أو تعزيز الثقة، بل فاقمت الفجوة بين السوق الرسمية والسوق السوداء، وهي الظاهرة نفسها التي تتكرر اليوم في سوريا، بحسب رأيه.
الحاجة إلى ضخ سيولة وتحفيز الإنتاج
ويشدد الخبير السوري على أن السيولة ليست ترفاً، بل ضرورة لتحريك المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تؤمن سبل العيش لما لا يقل عن 40 بالمئة من اليد العاملة، بحسب تقديرات أممية.
واقترح ريا “مقاربة بديلة” تبدأ من دعم الإنتاج الزراعي والصناعي، وتقليص الاعتماد على الاستيراد، ما من شأنه التخفيف من الضغط على الدولار وتقليص العجز التجاري، الذي يتجاوز 4.2 مليار دولار سنوياً وفق تقديرات غير رسمية.
رفض للفرض القسري للدفع الإلكتروني
كما حذر من المضي في الدفع الإجباري نحو المنصات الإلكترونية دون بنية تحتية داعمة، مؤكداً أن “الدفع الإلكتروني لا يمكن فرضه بسياسات أمنية”، في بلد تعاني أسواقه من ضعف الاتصالات وانقطاعات الكهرباء وتراجع الثقة بالمؤسسات المالية.
دعوة لإصلاح هيكلي شامل
وفي ختام حديثه، دعا ريا إلى إصلاحات جذرية في السياسات النقدية والتعليمية والبحثية، قائلاً: “النقد لا يُجمّد… وإذا جُمد، يجمد معه الاقتصاد”، مشيراً إلى أن لا تعافٍ دون ضخ سيولة مرنة، ولا ثقة دون إصلاح هيكلي شامل لمنظومة المال في البلاد.
ويشار إلى أن “مصرف سوريا المركزي” لم يصدر حتى الآن بيانات شفافة حول احتياطاته من النقد الأجنبي أو الذهب، في وقت تعاني فيه الليرة السورية من تآكل شبه كامل في قيمتها، بعد أن خسرت أكثر من 98 بالمئة من قدرتها الشرائية منذ عام 2011.
إقرأ أيضاً: واقع صحي صعب في سوريا بين نقص التجهيزات الحكومية وارتفاع تكاليف