سؤال المرحلة في الساحل السوري: من يعيد صياغة التمثيل السياسي؟

بعد عقود من وجود نظام الاسد، يواجه الساحل السوري فراغًا سياسيًا غير مسبوق، ناتجًا عن تفكيك متعمّد للبنى الاجتماعية والسياسية المستقلة، وهيمنة سلطوية أنهت أي إمكانية لوجود تمثيل مدني أو أهلي فعّال. ومع سقوط النظام السابق، الذي اعتمد على المؤسسات الأمنية والحزبية الموالية له، يجد أبناء الساحل أنفسهم أمام مرحلة انتقالية معقدة، يتصدّرها سؤال محوري: من يملأ هذا الفراغ؟

في ظل غياب قيادات محلية تحظى بشرعية مجتمعية حقيقية، تبدو خيارات المرحلة المقبلة محاطة بالتحديات. يرى د.منير شحود، الباحث والأكاديمي السوري، أن لا أحد يمكنه الادعاء بتمثيل سكان الساحل في الوقت الراهن، بسبب انهيار النظام الشمولي ومؤسساته دفعة واحدة، مشيرًا إلى أن بناء تمثيل جديد يستلزم وقتًا غير معلوم ومسارًا ديمقراطيًا يبدأ من القاعدة، ويعتمد على إعادة تفعيل المجتمع المدني، خارج الأطر العشائرية والطائفية التقليدية.

ويحذر شحود من ملء الفراغ عبر تعيينات فوقية أو صعود شخصيات انتهازية تستغل الانقسامات المجتمعية، ما قد يفتح الباب أمام استقطابات جديدة. ويرى أن تجاوز هذا الواقع يمرّ حصرًا عبر تمثيل ينبع من عملية انتخابية محلية، ومسار مدني طويل الأمد، تساهم فيه نخب تؤمن بالتغيير وتتمتع بالمصداقية والشرعية الشعبية.

أما الباحث في التاريخ الثقافي للطائفة العلوية د.إياس الحسن، فيُرجع غياب المرجعيات في الساحل إلى سياسات حافظ الأسد التي استهدفت منذ السبعينيات تفكيك أي هيكلية قد تُشكل سلطة بديلة. ويضيف أن الزعامات العشائرية والدينية فقدت تأثيرها منذ عقود، دون أن تظهر بدائل تمتلك حضورًا سياسيًا أو اجتماعيًا جامعًا.

من جانبها، ترى الكاتبة والشاعرة رماح بوبو أن القيادات الوطنية التي لم ترتبط بالنظام كانت دائمًا في الظل، بسبب القبضة الأمنية القاسية. وتلفت إلى أهمية البحث عن شخصيات تتمتع بالمصداقية، غير موسومة بالطائفية، ونزيهة في ماضيها السياسي والاجتماعي، مشيرة إلى الدور الكبير الذي لعبته النساء والناشطون الثقافيون في الحفاظ على هوامش التعبير المدني خلال العقود الماضية.

أما المهندس والمعتقل السابق نبيه النبهان، فيسلّط الضوء على تفكك الهياكل الحزبية والنقابية في الساحل، والتي تحوّلت إلى واجهات شكلية مرتبطة بالسلطة الأمنية، مشيرًا إلى غياب بيئة قانونية تسمح بإحياء أدوار النخب المدنية، التي لا تزال حتى اليوم خارج دائرة التأثير الفعلي.

ويرى النبهان أن وجهاء الساحل، الذين كان لهم دور في التمثيل الاجتماعي في فترات سابقة، تراجعوا بسبب تغييب متعمّد من السلطة، ما أفسح المجال لظهور قوى وشخصيات جديدة، بعضها يحظى بدعم خارجي أو يسعى لتمثيل طائفي أو مناطقي، في وقت يعاني فيه المجتمع من انقسامات حادة ومخاوف أمنية واقتصادية متزايدة.

وبينما تتلاشى بقايا الهياكل القديمة، وتبقى الأحزاب التقليدية والنقابات في حالة شلل، يُجمع الباحثون على أن البديل الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا تمثيلًا مدنيًا ديمقراطيًا يبدأ من القرى والأحياء، ويعتمد على الانتخابات والتجربة التشاركية.

الساحل السوري اليوم على مفترق طرق: إما البقاء في حالة الفراغ والمراوحة، أو البدء بمسار شاق لكنه ضروري، لاستعادة الحياة السياسية من القاعدة إلى القمة.

إقرأ أيضاً: اعتقال وزيرتين سوريتين سابقتين في إطار التحقيق بملف ‎أطفال المعتقلين

إقرأ أيضاً: اعتقال وزير التربية في النظام السوري السابق دارم طباع

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.