زيارة وزيري الخارجية والدفاع إلى موسكو تُحيي الجدل حول العدالة الانتقالية والدور الروسي في سوريا
داما بوست -خاص
في زيارة تحمل دلالات عميقة، توجه وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، “أسعد الشيباني”، ووزير الدفاع “مرهف أبو قصرة”، إلى العاصمة الروسية موسكو كل على حدى، وسط تساؤلات متصاعدة حول طبيعة هذا التحول الدبلوماسي، وتوقيته الحرج، خاصة في ظل تصاعد الحديث عن مشاريع استراتيجية إقليمية مثل خط الغاز الخليجي – الأوروبي، والملف الطائفي الملتهب في الجنوب السوري، والاتصالات مع “إسرائيل”.
عدالة انتقائية؟
منذ سقوط نظام بشار الأسد، طالبت قطاعات واسعة من السوريين بتحقيق العدالة الانتقالية ومحاكمة المتورطين في جرائم الحرب والانتهاكات. غير أن زيارة مسؤولي الحكومة الانتقالية إلى موسكو، الحليف الأبرز للأسد في معاركه ضد المعارضة، أعادت إلى السطح الأسئلة المؤجلة حول الموقف من روسيا، ودورها الكارثي في الحرب السورية.
فكيف يُمكن لحكومة انتقالية تمثل ثورة شعب، أن تبني علاقات مع دولة شاركت بفعالية في قصف المدنيين وتدمير المدن وتهجير السكان؟ وأين تقف العدالة الانتقالية في السياسة الخارجية للحكومة الجديدة؟ وهل هناك خطوط حمراء حقيقية، أم أن المصالح الاستراتيجية تطغى على الذاكرة الوطنية؟
قواعد روسيا العسكرية: بقاء غير مفهوم
رغم سقوط النظام، لا تزال القواعد الروسية العسكرية في سوريا قائمة، في حميميم وطرطوس. وهذا يثير شكوكاً حول مدى السيادة السورية فعلياً، ويطرح علامات استفهام عن مدى استقلال القرار السياسي والعسكري في سوريا ما بعد الأسد.
فإذا كانت روسيا قد تدخلت لحماية النظام المنهار، فبأي منطق تستمر في التواجد العسكري بعد زواله؟ ولماذا لم تُطرح حتى اللحظة خريطة طريق واضحة لإنهاء الوجود الروسي أو على الأقل مراجعته؟ وهل ستتحول هذه القواعد إلى أوراق مساومة في صراعات إقليمية – دولية أكبر؟
الغاز والممرات الإقليمية: موسكو في الصورة من جديد
زيارة “الشيباني” و”أبو قصرة” إلى روسيا تزامنت مع تقارير متجددة عن مشروع خط الغاز الخليجي – السوري – التركي – الأوروبي، الذي لطالما رأت فيه موسكو تهديداً مباشراً لمصالحها في سوق الطاقة الأوروبية.
المثير أن روسيا، التي استخدمت الغاز كورقة ضغط على أوروبا خلال أكثر من عقد، تجد نفسها اليوم مضطرة إلى إعادة التفاوض مع حكومة سورية جديدة حول مرور هذا الخط عبر أراضٍ كانت تخضع لهيمنة حليفها السابق بشار الأسد.
ويشير مراقبون إلى أن الحكومة السورية الانتقالية قد تكون بصدد مقايضة التهدئة مع روسيا بضمان تمرير المشروع الاستراتيجي، مقابل انسحاب جزئي أو تغيير في طبيعة الوجود الروسي في سوريا.
خلاصة المشهد: توازنات دقيقة… وذاكرة مضطربة
بين محاولة إعادة بناء الدولة، واسترضاء القوى الدولية، وتخفيف التوترات الداخلية، يبدو أن الحكومة السورية الانتقالية تسير على حبل مشدود بين مطالب الثورة ومصالح الدولة.
إلا أن زيارة وزيري الدفاع والخارجية إلى موسكو، لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع لإعادة تموضع سوريا في الخارطة الجيوسياسية، خاصة إذا كانت هذه التحركات تأتي على حساب العدالة، السيادة، وذاكرة السوريين الجماعية التي لا تزال تنزف.
إقرأ أيضاً: الحضور الروسي في سوريا بعد الأسد: ضياع استراتيجي أم سبات روسي محسوب؟
إقرأ أيضاً: روسيا تدعم سوريا والشيباني يدعو لتعاون أوسع في العدالة الانتقالية، ويؤكد: لا عداوة لإسرائيل