العملية الانتقالية في سوريا: تحديات الداخل وتشابكات الخارج

تقف سوريا عند مفترق طرق حاسم في تاريخها السياسي، حيث تطرح العملية الانتقالية بعد سقوط النظام السابق نهاية عام 2024، أسئلة جوهرية حول مستقبل البلاد وموقع مكوناتها المختلفة في مرحلة إعادة بناء الدولة. في تقرير حديث لمجلة ناشيونال إنترست الأميركية، استُعرضت أبرز العوائق والتحديات التي تهدد مسار الانتقال السياسي، من بينها تعقيدات المشهد المحلي، ومخاوف الأقليات، وضعف الثقة بين الأطراف، وصولاً إلى التداخلات الإقليمية والدولية التي ترسم حدود أي حل محتمل.

السويداء: اختبار مبكر لسلطة الدولة المؤقتة

شهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، اشتباكات دامية في تموز/يوليو الماضي بين فصائل درزية ومسلحين من العشائر البدوية ووزارة الدفاع، تسببت في مقتل مئات المدنيين ونزوح أكثر من 93 ألف شخص، وفق تقديرات التقرير. وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 20 تموز بإشراف قوات الأمن الداخلي، إلا أن هذه الأحداث كشفت عن هشاشة الواقع الأمني، وفجّرت تساؤلات حول مدى قدرة السلطات المؤقتة في دمشق على ضبط الأوضاع، وبناء شرعية مستقرة.

خطاب الكراهية وتضليل الرأي العام

أشار التقرير إلى تصاعد الحملات الإعلامية ذات الطابع الطائفي، والتي غذّت الاقتتال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرًا أن سوريا باتت واحدة من أكثر الدول تأثّرًا بخطاب التضليل، إلى جانب أوكرانيا. وأبرز التقرير مسؤولية الأطراف كافة في تأجيج التوترات، مشيرًا إلى أن الانتهاكات المسجلة من مختلف الفصائل تمنع أي طرف من ادعاء “الامتياز الأخلاقي”.

مخاوف الأقليات وتحديات الثقة

يرى التقرير أن الأقليات في سوريا لا تزال متوجسة من المرحلة المقبلة، نتيجة تجارب سابقة ومخاوف من “هيمنة سنية”، خصوصًا مع اندماج فصائل مسلحة عربية سنية بالكامل في الجيش السوري الجديد، بعضها مثير للجدل ومحسوب على تيارات متطرفة كـ”الحمزات” و”السلطان شاه”، واللتين تخضعان لعقوبات أميركية.

وبينما يسعى رئيس الحكومة المؤقتة أحمد الشرع إلى بسط سلطة مركزية على كامل البلاد، يشير التقرير إلى أن أسلوبه في تحقيق ذلك سيكون حاسمًا. إذ لا يكفي الخطاب التصالحي وحده لبناء الثقة، بل يتطلب الأمر مبادرات عملية، منها إشراك الأقليات في هياكل الأمن والدفاع على المستوى المحلي، كما حدث مع الفصائل السنية، لضمان توازن فعلي في السلطة.

تحذير من تكرار “نموذج إدلب”

يحذر التقرير من إعادة إنتاج “نموذج إدلب”، الذي يُقصد به إخضاع المناطق بالقوة العسكرية، وهو خيار قد يفاقم الانقسام بدلًا من تجاوزه. ويقترح كبديل أن تتعامل الحكومة الانتقالية مع المكونات المحلية بصفتها شريكة في بناء الدولة، لا مجرد متلقية للقرارات. وهذا يتطلب خطوات تدريجية نحو عدالة انتقالية عادلة ومتوازنة.

الدور الدولي: دعم مشروط لا وصاية

يرى التقرير أن المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة ودول الخليج، يمتلك فرصة مهمة للمساهمة في استقرار سوريا من خلال دعم العملية الانتقالية. ويقترح التقرير سلسلة من الحوافز التي يمكن تقديمها، مثل تخفيف العقوبات، وإعادة هيكلة العلاقة مع حكومة الشرع، دون فرض نماذج خارجية لإعادة الإعمار أو بناء الدولة.

ويشير إلى أهمية تحفيز الحوار بين الحكومة المؤقتة وقوى كردية ودرزية، مثل “قوات سوريا الديمقراطية”، بهدف إعادة دمج مناطق الشمال الشرقي ضمن الدولة السورية، وتفادي سيناريوهات التقسيم أو النفوذ الأجنبي طويل الأمد.

خاتمة: بين التوازن والسيادة

يركز التقرير على ضرورة تحقيق توازن داخلي حقيقي بين المكونات، بالتوازي مع بناء مؤسسات سيادية غير خاضعة لأيديولوجيات أو مراكز قوة منفردة. العملية الانتقالية السورية، كما يصفها التقرير، ليست مجرد لحظة سياسية، بل اختبار لمفهوم الدولة ذاته، ولمدى قدرتها على استيعاب تنوعها بعد عقود من التهميش والاستبداد.

إقرأ أيضاً: اعتقال وزيرتين سوريتين سابقتين في إطار التحقيق بملف ‎أطفال المعتقلين

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.