وسط صمت إعلامي، وصل المبعوث الإيطالي “ستيفانو رافاغنان” إلى دمشق، وعقد بتاريخ 20 تموز لقاءً مع رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سورية “كريستوف مارتن” الذي نشر صورة تجمعه مع رافاغنان ووفد من إيطاليا في دمشق.
وأثارت الزيارة جدلاً في الأوساط المتابعة، لاسيما الإيطالية والغربية، واعتبر الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تشارلز ليستر، أن زيارة المبعوث الإيطالي “خطوة جريئة تنتهك الركائز الأساسية لسياسة الاتحاد الأوروبي”.
ورغم أن جدول أعمال “رافاغنان” لم يكن معروفاً، ومن غير المؤكد فيما إذا قد التقى أي من المسؤولين السوريين، إلا أن زيارته أوحت بوجود انفتاح دبلوماسي من قبل روما، وأثارت التساؤلات حول ما إذا كانت الزيارة ناتجة عن شرخ في دول الاتحاد الأوروبي، وهذا الكلام ينسجم مع أصوات عديدة رسمية وغيرها تحاول كسر جمود الموقف الأوروبي.
وقد لا تكون إيطاليا وحيدة في هذا المسار، حيث بدأت التصدعات بالظهور بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالظهور منذ تشرين الأول\ أكتوبر من العام الماضي، بحسب مجلة فورين بوليسي، التي نقلت عن مسؤولين أوروبيين تأكيدهم أن “حكومات اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا مارست مواقعها داخل الاتحاد الأوروبي للضغط على عدد من خطوط السياسة، لتغيير السياسات القائمة ضد سورية”.
وبينما تحمل الزيارة دلالات كثيرة، يرى الصحفي “نعمان طرشة” وفي حديث خاص لـ “داما بوست” أن أي خطوة نحو كسر الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على سورية هي خطوة جيدة، إذا كانت ستحمل تبعات تترجم على أرض الواقع.
وأكد “طرشة” أن الحكومة الإيطالية كانت أول دولة كسرت الحصار بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سورية مضيفاً.. “الحكومة الايطالية اليمينية حاولت منذ البداية تحسين صورتها في المجتمع الدولي، وهي تعمل حالياً على تسويق نفسها كحكومة معتدلة ومنفتحة عالمياً وإعادة إيطاليا للعب دور مركزي كوسيط وفاعل في حوض المتوسط”.
وحول ما إن كانت الزيارة تندرج ضمن إطار إعادة توطيد العلاقات الغربية مع سورية أم أنها تحمل أهدافاً أخرى لإيطاليا، تحدث “طرشة” عن الركود الاقتصادي الذي عانت منه إيطاليا عقب فايروس كورونا، وخص بالذكر موضوع الهجرة غير الشرعية التي تعاني منه الحكومة الإيطالية، ما دفعها للسير باتجاه إصلاح علاقاتها مع الدول العربية، على حد تعبيره.
وقال “طرشة”.. “يعد موضوع الهجرة غير الشرعية من أولويات الحكومة الإيطالية الحالية لذلك فتحت قنوات اتصال مع دول شمال إفريقيا وكانت عرابة اتفاق أوروبي مع تونس لوقف النزيف البشري الإفريقي عبر البحر، وأن أهداف إيطاليا تتركز في محاولات خلق تنسيق أمني واستخباراتي، وخاصة في موضوع طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين وعصابات الاتجار بالبشر، على حد قوله.
وفيما يرى البعض أن الوفود الإيطالية هي تغريد خارج سرب الاتحاد الأوروبي، خلافاً لما يراه الصحفي “نعمان طرشة” الذي أكد أن “الحكومة الإيطالية لا تغرد خارج السرب الأوروبي بل تعمل على تأمين مصالحها الخارجية وتعزيز سلطتها أمام الرأي العام الداخلي، رابطاً ذلك بأن يكون فرصة للدفع بالمصالح السورية إلى الأمام.
ويخالف “طرشة” القول بأن إيطاليا قد تخطو بمسار آخر مناهض للاتحاد الأوروبي قائلاً.. “لا أعتقد أن إيطاليا قادرة على معارضة السياسات الخارجية الإيطالية، لكونها تابعة اقتصاديا للاتحاد الاوروبي، لكنها قد تلعب دور وسيط ومحاور إذا ارتأت أن ذلك يناسبها ويصب في مصلحتها”.
وربط الصحفي دور العلاقة السورية بالفاتيكان بتحسين العلاقة مع الحكومة الإيطالية إذ قال.. “إن تعزيز سورية وتطوير علاقاتها مع دولة الفاتيكان في المرحلة الحالية يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر في الرأي العام الإيطالي والحكومة الإيطالية المقربة من الأوساط الكاثوليكية، وخاصة أنه رغم عدم امتلاك دمشق سفيراً مقيماً في الفاتيكان، لكن الفاتيكان من الدول التي أبقت على سفاراتها مفتوحة في دمشق”.
وحول ما إن كانت إيطاليا لا تنصاع وراء القرار الغربي، يرى “طرشة” أن إيطاليا كأغلب الحكومات الاوروبية ليس لديها استقلالية في السياسة الخارجية، قائلاً.. “من جهة هي خاضعة للاتحاد الأوروبي وتمويلاته ومساعداته المالية، ومن جهة أخرى، خاضعة لأمريكا وتابعة كلياً لحلف الناتو”.
وتقف إيطاليا بين رأيين يسودان البلاد، يؤكد “طرشة”.. “هناك لوبيات وأحزاب تعارض بشكل جذري عودة العلاقات مع سورية، وفي المقابل هناك جمعيات ومؤسسات وتيارات سياسية وشعبية إيطالية تطالب بالواقعية السياسية، وتنادي بفتح قنوات دبلوماسية، وأعتقد أن علينا مخاطبة الرأي العام الإيطالي لتغيير الصورة السلبية التي فرضها الإعلام وتعزيز الحوار مع المنظمات غير الحكومية”.