يثير مشهد الانقلاب في النيجر وما آلت إليه الأوضاع الأمنية في البلد الإفريقي تساؤلات عدة، حول مستقبل القارة الإفريقية عموماً والنيجر خصوصاً، كبلد عاد مجدداً لحملة الانقلابات على الحكم عقب ما حصل في مالي وبوركينا فاسو.
واشتعلت النيجر بانقلاب عسكري أدى إلى حبس الرئيس محمد بازوم، وهو ليس الانقلاب الأول في تاريخ هذه الدولة، إلا أنه جاء في خضم توترات إقليمية تشهدها القارة الإفريقية.
وتشهد النيجر دعماً للانقلاب من قبل مسيرات نظمها مواطنون، دعموا خلالها الانقلاب الذي قاده رئيس الحرس، مطالبين بإلغاء الوجود الغربي لا سيما الفرنسي، إضافة لإزالة كافة القواعد العسكرية الموجودة في البلاد.
وهتف المتظاهرون في النيجر بالرفض القاطع لأي تدخل عسكري في شؤون بلادهم، وفي إشارة لرفض تدخل قوات “الإيكواس”.
انعكاسات أحداث النيجر على الغرب:
تلقت الدول الغربية سيما فرنسا الضربة بقسوة، إذ أعلنت فرنسا إدانتها للانقلاب، موقفةً بشكل فوري الدعم للنيجر، كذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي أوقف التعاون العسكري والأمني إضافة للمساعدات المالية.
ولعل خروج فرنسا من مالي وبوركينا فاسو مؤخراً، كان ضربة قاسية على النظام الفرنسي الذي بات يعاني من جديد أزمة كبيرة عقب خسارته الحليف الأهم “النيجر” والتي تعد مصدر ثروة هاماً لباريس، إضافة للوجود الفرنسي العسكري فيها، حيث يوجد نحو 1500 جندي فرنسي في النيجر بذريعة مكافحة الإرهاب ودعم الأمن القومي.
وفي افتتاحية تناولتها صحيفة “واشنطن بوست” حول الانقلاب في النيجر، قالت إن له دلالات مهمة، مشيرة إلى وجود أميركي عسكري ومساعدات أميركية عسكرية وغير عسكرية مهددة بالتوقف، ما لم تتم إعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه.
وتنشر واشنطن 1100 جندي في النيجر، وقاعدة للطائرات المسيّرة، لمساعدة القوات النيجرية في محاربة مقاتلي تنظيمي الدولة والقاعدة، حسب الصحيفة.
ولم تغب الولايات المتحدة عن وقف الدعم عن النيجر، إذ رفعت الولايات المتحدة الدعم الاقتصادي مقابل استمرار “الحكم الديموقراطي”، حيث صرح مؤخراً وزير الخارجية الأمريكي، أنه لا يمكن السماح لهذا الانقلاب بالبقاء، مؤكداً دعم أمريكا الثابت لبازوم وإدانة الانقلاب.
الانقلاب ليس حدثاً مستثنى من صراعات القوى العظمى:
ووصف الخبير في الشؤون الإفريقية “رامي زهدي” في حديث خاص لـ “داما بوست” النيجر بـ “البلد دائم الانقلابات”، حاله كحال معظم الدول الإفريقية، فقد حدث فيها 4 انقلابات منذ عام 1960، عدا عن الانقلابات الفاشلة المعلنة وغير المعلنة.
وعزا “زهدي” الأسباب التي تؤدي في معظم الدول الإفريقية لهذه الانقلابات، لغياب الديموقراطية وامتلاك السلاح من قبل عصابات متعددة عدا عن الأسباب الاقتصادية والأمنية، واصفاً ما يحدث في القارة الإفريقية بأنه تجديد لبؤر الصراع، مؤكداً أن الانقلابات العسكرية هي أمر متكرر في القارة.
وحسب رأي “زهدي” فإن اشتداد الصراع بين القوى العظمى يجعل كل الملفات تحدث بالتوازي، فالانقلاب جرى بالتوازي مع القمة الروسية الإفريقية، إلا أن الانقلاب بحد ذاته ليس أداة جديدة فهي موجودة من قبل.
وبينما تتجه الأنظار إلى امتداد النفوذ الروسي في القارة الإفريقية لم ينف “زهدي” ذلك، لكنه عد الأمر تبادل اتهامات بين القوى العظمى ليس إلا، مؤكداً أن جميعهم يستخدمون أدواتهم لبسط السيطرة إنما تختلف الأدوات المستخدمة.
وقال زهدي.. “النفوذ الروسي لم يغب عن القارة الإفريقية إلا في فترة قصيرة بين سقوط الاتحاد السوفييتي وعودة روسيا الاتحادية، إلا أنه يتخذ شكلا جديداً أكثر عمقاً، ولكن رغم تنافس روسيا مع أمريكا وأوروبا والصين والهند والخليج، لا يمكن أن نعتبر أن التمدد الروسي هو الطاغي في إفريقيا حتى الآن”.
وحول فرضية أن التمدد الروسي هو الأشد بينما تتراجع بقية الدول، يرى “زهدي” أن الصين هي الصديق الأهم للشعوب الإفريقية، مضيفاً. أن أمريكا مازالت تمتلك قواعد تأثير متعددة، والدول الاستعمارية مثل فرنسا وبريطانيا وغيرهم مهما بدا أنها تتراجع عسكريا، وربما ترفضها بعض الشعوب، لكن تأثيرها لم يغب، خاصة بريطانيا وفرنسا الضالعتان في عمق القارة الإفريقية وعمق المجتمع والاقتصاد، لذا القول بأن هذه الدول خرجت تماماً مقابل وجود روسيا هو أمر مبالغ فيه”.
ومن جهة أخرى، يرى “زهدي” صعوبة في تخلي فرنسا كلياً عن وجودها في القارة، وقال “إن التواجد العسكري الفرنسي لسنوات طويلة في مالي وبوركينا فاسو له دور كبير في حماية المصالح الأوروبية وخاصة الفرنسية، الاقتصادية منها والسياسية، وخروجهم يحمل دلالات كثيرة، لكن لا أفترض أن فرنسا تضحي بعمق علاقاتها بالقارة.
كيف تستطيع روسيا فرض قوتها في إفريقيا:
وعلى صعيد الغرب، وصف “زهدي” وضع الغرب بالصعب للغاية، مشيراً إلى أنه لم يخسرها حتى الآن، لكنه في وضع حرج، ويرى “زهدي” أن إفريقيا تعيد تموضعها حاليا وتقبل السلام من اليد التي تحمل لها تعاوناً وتكافئاً.
ويتحدث “زهدي” عن العوامل التي تؤدي لأن تكون روسيا هي قوة بارزة أم غيرها، قائلاً.. “القوة الأبرز الآن في إفريقيا هي القوة الاقتصادية، لذا استخدام روسيا لملف الغذاء والحبوب هذا أقوى سلاح، فيما كانت استخدمت بعض الدول الغربية الإرهاب في السابق”.
يؤكد زهدي أنه لا وجود اليوم للقوة العسكرية في إفريقيا سوى لحماية الموانئ والممرات التجارية الدولية، مشيراً إلى أن فرض القوة الاقتصادية يعني فرض السيطرة وبسط النفوذ والتمدد، فإن الصراع المسلح حسب تعبيره هو شأن داخلي وصراعات داخليه وحروب أهلية ليس إلا، أما القوة العسكرية الدولية لن تحدث فرقاً ولا تستطيع أن تتدخل من الأساس.