الولايات المتحدة في المنطقة وطريق الخروج
تطورات تعجّل مخاض المنطقة فتحتها الحرب العدوانية على قطاع غزة، وما خلفته من تداعيات على الساحة الإقليمية والعالمية وصلت إلى حد إعلان موظفين في الخارجية الأمريكية الإضراب عن الطعام ليوم واحد تضامنا مع دماء غزة المسفوكة.
نقاشات عدة دارت، كان آخرها لقاء في عاصمة العطور الفرنسية، ضم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس جهاز “الموساد” ديفيد برنيع، ورئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل.
تمخض اللقاء عن قرارات عدة تم عرضها على قيادات في حركة حماس في عاصمة الفراعنة، ورشح منها أنه تم التوصل إلى اتفاق بتعليق إطلاق النار وصفقة لتبادل الأسرى بين حكومة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مطلع الأسبوع المقبل”.
الثوابت الأساسية لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية التي تمسكت بها ألا يتم إطلاق سراح العسكريين والجنود الذين أسروا من داخل الوحدات العسكرية، إلا في المرحلة الأخيرة (الثالثة) التي تتضمن اتفاقاً بشأن تفعيل وقف شامل لإطلاق النار، يتبعه خروج قوات الاحتلال من القطاع، ومن ثم إطلاق مفاوضات حول هدنة طويلة الأمد”.
الاتفاق المعطر باريسيًا يتضمن مراحل ثلاث؛ الأولى إطلاق سراح 3 نساء في سن الاحتياط، وكبار السن ما فوق الستين عاما، والمصابين في حالة حرجة، على أن تشمل المرحلة الثانية منه إطلاق سراح العسكريين والجنود، بينما تشمل المرحلة الثالثة تسليم حماس جثامين الأسرى الذين سقطوا في حوزتها عقب السابع من تشرين الأول الماضي، وهو ما تعترض عليه حماس، إذ تشترط في حال التوصل إلى اتفاق نهائي إرجاء إطلاق العسكريين للمرحلة الثالثة والأخيرة”.
شروط فلسطينية ترضخ لها “إسرائيل” بضغط من الولايات المتحدة التي لاقت الحرج يحيط بها من كل جانب، وكان آخرها الهجوم على القاعدة السرية في شمال شرق الأردن حيث يتحصّن عملاء الموساد والمخابرات الأمريكية في محطة تجسسية أحرجت الأردن أيضا، والذي برر أنها للمساعدة في مكافحة المخدرات القادمة من الغرب، رغم أن الثابت هو بعد القاعدة مئات الأميال عن الحدود المعنية.
التغريبة الأمريكية في المنطقة بدأت بفعل ضغط محور المقاومة من باب المندب جنوباً إلى حقل العمر شمالاً، فاليمن أغلق الباب على السفن الإسرائيلية وبات الممر التجاري لكل أوروبا في خطر والمصالح الأمريكية في البحر الأحمر والخليج العربي أيضا تحت مرمى الصواريخ البالستية والمسيرات.
وفي سورية كان الزخم الأكبر لاستهداف القواعد الأمريكية وتلك المتواجدة على الأراضي العراقية، الأمر الذي أجبر الإدارة الأمريكية على تسليم الحكومة العراقية رسالة بواسطة السفيرة آلينا رومانوسكي تضمنت طلب المفاوضات لتغيير صيغة تواجد القوات الأمريكية في تلك القواعد وبالتالي سحبها من العراق.
واشنطن الآن تسعى إلى حفظ ماء الوجه وهي سترد على استهداف قواتها شرق الأردن، لكن من باب أن يدها هي الأعلى، حيث غُلًّت بفعل رجال المقاومة العراقية الباسلة التي مرغت هيبة أمريكا في التراب.
جهود أمريكية لتحقيق شيء ما قبل انسحابها المذل قد يكون دفع أثمان تحت الطاولة هنا وهناك، وقد يكون ضغطا على نتنياهو للقبول بنتائج الاجتماع السابق ذكره، لكن الشيء الوحيد الثابت أن خروج المحتل الأمريكي أمر حتمي، وإن كان سيلجأ إلى دهاليز سياسية وأمنية خبيثة مع التشبيك الجيد في إقليم كردستان العراق.
تجارب الجيش الأمريكي في فيتنام وبيروت وأفغانستان غنية عن التعريف وإدارة بايدن لا تريد فضائح قبيل الانتخابات وكل ما تصبو إليه هو نجاح هنا أو هناك تصوره في الإعلام الأمريكي على أنه انتصار عظيم يتحقق “لأقوى إمبراطورية في التاريخ” وفق تصورهم.
وكما عودت هذه الأرض الغزاة فهي تلفظهم ولا تقبل الدخيل، وما الاستعمار العثماني إلا دليل واضح على زوال كل محتل مهما حاول تلوين وجوده فالأرض أصيلة والشعب متجذر في أرضه.