غياب الأطباء في سوريا يحوّل الصيدليات إلى “عيادات بديلة”
تشهد سوريا، منذ سنوات، واقعًا صعبًا في القطاع الصحي، حيث أدى نقص الأطباء وارتفاع كلفة المعاينات الطبية إلى تحول الصيدليات أحيانًا إلى بديل للعيادات الطبية، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر صحية خطيرة على المواطنين.
في ريف دمشق، تمكنت مريضة من شراء كميات كبيرة من أدوية حساسة تُستخدم لعلاج اضطرابات نفسية وأمراض مزمنة وتنظيم النوم، من دون أن يُطلب منها أي وصفة طبية أو يُستوضح سبب الاستخدام، وفق ما أكدت لموقع تلفزيون سوريا. العملية تمت “بشكل طبيعي” حسب وصف المريضة، رغم أن القانون والنظم المهنية تشدد على أن صرف هذه الأدوية يجب أن يكون تحت إشراف طبي، مع توثيق دقيق في دفاتر الصيدليات.
الصيدلاني هادي فاضل أوضح أن أي وصفة مفتوحة أو ممتدة لشهور طويلة لا تُعتبر قانونية، وأن صرف الأدوية النفسية والعصبية يجب أن يتم حصراً بموجب وصفة نظامية وحديثة، مع تسجيل كامل لمعلومات المريض والطبيب وعدد العلب وتاريخ الصرف، بما يمنع التكرار من صيدليات متعددة.
لكن الواقع في السوق السوري يختلف، بحسب شهادات عدة: ريم (اسم مستعار) استخدمت بخاخ الأنف “نازا كلير” يوميًا لعشر سنوات متواصلة، وسيتاكودائين أيضًا، دون أي تدخل أو نصح مهني من الصيدلي، مع تجاهل المخاطر الصحية المرتبطة بالاستخدام الطويل لهذه الأدوية.
ارتفاع كلفة المعاينة الطبية، التي تتراوح بين 150 و250 ألف ليرة سورية في بعض المناطق، يدفع بعض المرضى إلى تجاوز الطبيب واللجوء مباشرة إلى الصيدليات لشراء الأدوية الموصوفة سابقًا، كما حدث مع أمل، التي تستخدم دواء زولوفت للاكتئاب دون مراجعة الطبيب.
غياب الردع القانوني وتهديد أمن الصيادلة
يشير الصيدلاني وئام جبور إلى أن صرف الأدوية الحساسة دون وصفة أصبح ممارسة شائعة نتيجة غياب الرقابة الفعلية على الصيدليات، فيما يحذر فاضل من أن الخلل يهدد سلامة الصيادلة أنفسهم، إذ شهدت السنوات الماضية اعتداءات وصلت أحيانًا إلى جرائم قتل بسبب رفض صرف أدوية لمستفيدين في حالات غير مستقرة أو تحت تأثير مواد مخدرة.
ويقترح فاضل حصر صرف الأدوية النفسية والعصبية في صيدليات مركزية تابعة لمديريات الصحة أو المشافي لضمان الرقابة وحماية العاملين.
حوادث وفاة نتيجة التداوي العشوائي
حالة صباح، فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا، توفيت بعد تلقّيها حقنًا دوائية في صيدلية قريبة من منزلها إثر أعراض بسيطة للرشح، في ظل غياب أي تقييم طبي، كما تدهورت حالة سعاد، امرأة في الأربعينيات تعاني السكري، بعد تناول حقن في صيدلية دون قياس مستوى السكر أو معرفة تاريخها المرضي.
أطباء تحدثوا لموقع تلفزيون سوريا يؤكدون تسجيل عدة حالات مماثلة خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة اعتماد المواطنين على الصيدليات كبديل للعيادات في ظل نقص الأطباء وارتفاع تكاليف المعاينة، ما أدى إلى وصفات دوائية عشوائية وخلطات خطرة تشمل كورتيزون ومسكنات قوية، مع مخاطر مضاعفات تهدد الحياة.
تحذيرات طبية وحلول مقترحة
يشدد الأطباء على أن الصيدلي غير مخوّل قانونيًا أو مهنيًا بوصف أو إعطاء أدوية دون معرفة التاريخ الطبي والحساسيات والتداخلات الدوائية، وأن التجاوز عن هذه القواعد قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
ويعتبرون أن جذور الأزمة تعود إلى نقص حاد في عدد الأطباء نتيجة الهجرة الواسعة منذ عام 2011، حيث غادر نحو نصف الأطباء السوريين البلاد، مع ارتفاع أعداد السوريين العاملين في الرعاية الصحية بالخارج.
ويشير بعض الأطباء، مثل صهيب الحاج حامد المقيم في برلين، إلى أن الحل يتطلب تدخل وزارة الصحة عبر تشديد الرقابة على الصيدليات، منع صرف الأدوية التي تحتاج وصفة طبية، محاسبة غير المرخصين، توفير عيادات حكومية منخفضة التكلفة، وحملات توعية تحذر من مخاطر التداوي العشوائي.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة