الاقتصاد السوري في 2025: رمال متحركة بين التعافي الهش والتحديات العميقة

داما بوست -خاص

النقاط الرئيسية حول الاقتصاد السوري في 2025

  • التعافي الهش: رغم توقعات بنمو متواضع للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1%، يظل الاقتصاد السوري في مرحلة “تحلل بطيء” مع استمرار الأزمات الهيكلية.
  • الاستثمارات الواعدة: شهدت سوريا جذب استثمارات أجنبية كبيرة تصل إلى 28 مليار دولار، بدعم من قانون استثمار جديد يتيح الملكية الكاملة للمستثمرين الأجانب، مما يبشر بإعادة الإعمار.
  • الواقع المعيشي الصعب: تظل مستويات الفقر والبطالة مرتفعة للغاية، حيث يعيش الغالبية العظمى من السكان تحت خط الفقر، مع استمرار تآكل القدرة الشرائية ونقص السيولة.

المشهد الاقتصادي الكلي: تحديات هيكلية وآمال محدودة

في عام 2025، يواجه الاقتصاد السوري أزمة هيكلية عميقة تتميز بالانكماش الإنتاجي، الاعتماد على المساعدات الخارجية، وعجز مالي مزمن. على الرغم من بعض المحاولات الانتقالية للإصلاح النقدي والانفتاح الخارجي، إلا أن التحديات مستمرة في إعاقة التعافي الحقيقي. يشير البنك الدولي إلى نمو متواضع بنسبة 1% للناتج المحلي الإجمالي، لكن هذا النمو لا ينعكس بشكل ملموس على الواقع المعيشي للسكان.

الصراع المستمر، العقوبات الدولية، وانهيار العملة كلها عوامل تساهم في هشاشة الاقتصاد. في محاولة للتغلب على هذه التحديات، تعمل الحكومة الجديدة على جذب الاستثمارات وإعادة الإعمار، مع التركيز على تباطؤ التضخم وتحسين سعر الصرف نسبيًا.

إقرأ أيضاً: بانوراما السياسة الخارجية السورية 2025

إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عندما يتحوّل الخطاب الطائفي إلى جمر تحت الرماد

إقرأ أيضاً: كيف أضاع تفكيك الجيش بوصلة الأمن في سوريا خلال 2025؟

إقرأ أيضاً: رفع العقوبات: من العزلة الدولية إلى الانفتاح المشروط

تحديات الفقر والبطالة: أرقام صادمة وواقع مؤلم

يُعد الفقر التحدي الأكبر الذي يواجه السوريين في عام 2025. تشير التقديرات إلى أن الغالبية العظمى، حوالي 90% من السكان، يعيشون تحت خط الفقر الوطني، و66% منهم يعانون من فقر مدقع. يعيش 3.7 ملايين شخص على أقل من 3 دولارات يوميًا، وارتفع الفقر عند خط 4.20 دولار إلى 48.1%.

أما البطالة، فتظل نسبتها مرتفعة بشكل مقلق، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من ربع السكان عاطلون عن العمل، وقد تتجاوز 50% في بعض المناطق، خاصة بين الشباب. هذا الارتفاع يعود إلى الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والاقتصادية للبلاد، بالإضافة إلى نقص فرص العمل المتاحة في ظل غياب الاستثمارات الحقيقية في القطاعات الإنتاجية. تفاقم البطالة يساهم بدوره في زيادة مستويات الفقر ويقلل من القدرة الشرائية للمواطنين، مما يخلق حلقة مفرغة من المعاناة الاقتصادية.

التضخم وسعر الصرف: تقلبات مستمرة

شهد التضخم في سوريا مسارين متناقضين خلال عام 2025. في حين تشير بعض التقارير الرسمية إلى تباطؤ ملحوظ في معدل التضخم إلى حوالي 6.4% في يناير 2025، بعد أن كان 127.8% في عام 2023، إلا أن الواقع في الأسواق يكشف عن استمرار ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية بشكل منهجي. هذا التناقض قد يعكس فجوة بين الأرقام الرسمية والأسعار الفعلية التي يواجهها المستهلكون.

فيما يتعلق بسعر الصرف، شهدت الليرة السورية تحسنًا نسبيًا مع زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى أكثر من 200 مليون دولار، مدعومًا بمخزون الذهب (26 طنًا). ومع ذلك، لا يزال السوق غير مستقر بسبب نقص السيولة، مما يؤثر على الاستيراد والتصدير. هناك تحضيرات لإصدار عملة جديدة في يناير 2026، وقد سمح بتداول العملات الأجنبية بحرية، وهي خطوات تهدف إلى دعم الاستقرار النقدي على المدى الطويل.

حبس السيولة: خزانة خاوية واقتصاد يعتمد على “أنفاس مستعارة

يعاني الاقتصاد السوري من قيود سيولة حادة، مع خزينة شبه خاوية من الإيرادات المحلية واحتياطيات محدودة. يعكس حبس السيولة هذا اعتماد الاقتصاد على “أنفاس مالية مستعارة” مثل المساعدات الخليجية والدين العام الذي بلغ 165% من الناتج المحلي الإجمالي (حوالي 40 مليار دولار)، ومعظمها ديون داخلية غير مغطاة بالإنتاج الحقيقي. هذا النقص في السيولة يحد من الإنفاق الحكومي والاستثمار المحلي، ويفاقم الركود، ويمنع تدفق النقود الكافي إلى الأسواق، مما يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية ويساهم في تآكل الاحتياطات.

دفعة استثمارية: آمال في إعادة الإعمار

شهدت سوريا طفرة في الاستثمارات بعد رفع بعض العقوبات، حيث جذبت حوالي 28 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025. هذه الاستثمارات تشمل صفقات بقيمة 4 مليارات دولار لبناء مطار دمشق مع شركة قطرية، و2 مليار دولار لمشاريع أخرى. وقد تم إقرار قانون استثمار جديد يتيح للمستثمرين الأجانب الملكية الكاملة (100%) لمشاريعهم دون الحاجة إلى شريك محلي، مع تقديم تسهيلات ضريبية. هذه الخطوات تهدف إلى جذب الكفاءات والاستثمارات المليارية اللازمة لإعادة الإعمار، خاصة في قطاعات الطاقة والنقل. ورغم هذه الوعود، لا تزال الثقة ضعيفة والقاعدة الإنتاجية منكمشة.

يعد جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أمرًا بالغ الأهمية لأي اقتصاد ناشئ أو يعاني من تداعيات الصراعات. يمكن أن تؤدي هذه الاستثمارات إلى خلق فرص عمل، نقل التكنولوجيا، وزيادة الإنتاجية. في حالة سوريا، حيث البنية التحتية مدمرة والعديد من القطاعات الإنتاجية معطلة، فإن الاستثمارات الأجنبية يمكن أن تكون حجر الزاوية في أي خطة لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي المستدام. ومع ذلك، فإن ضمان بيئة استثمارية مستقرة وجاذبة يتطلب أكثر من مجرد قوانين، بل يتطلب أيضًا استقرارًا سياسيًا وأمنيًا، وهو ما لا يزال تحديًا في سوريا.

إغراق السوق بالبضائع الأجنبية: تحديات للصناعة المحلية

مع فتح الأسواق وتحسن سعر الصرف، زاد تدفق البضائع الأجنبية بشكل كبير، مما أدى إلى “إغراق السوق بالسلع المستوردة”. بينما يساعد هذا في تلبية الطلب الأساسي للمستهلكين، فإنه يشكل تهديدًا كبيرًا للصناعات المحلية الضعيفة والمتضررة. يؤدي تزايد الواردات إلى زيادة البطالة وتقليل الإنتاج الوطني، حيث تجد الشركات المحلية صعوبة في المنافسة مع المنتجات الأجنبية الأرخص أو ذات الجودة الأفضل، خاصة في ظل نقص السيولة اللازمة لدعم المنتجين المحليين. هذا الوضع يفاقم العجز التجاري ويزيد الضغط على الليرة السورية، مما يعمق الاعتماد الخارجي دون تعافي القدرة الإنتاجية المحلية.

لتحقيق التوازن، يجب على سوريا أن تتبنى سياسات تدعم الصناعة المحلية وتزيد من قدرتها التنافسية، مع الحفاظ على انفتاح السوق. يمكن أن يشمل ذلك تقديم حوافز للإنتاج المحلي، وتسهيل الحصول على التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير البنية التحتية الصناعية.

تحليل المؤشرات الاقتصادية لعام 2025

لتقديم رؤية أكثر وضوحًا حول أداء الاقتصاد السوري في عام 2025، يمكننا استخدام مخطط رادار يقارن بين التحديات والفرص الرئيسية. كل نقطة على المخطط تمثل مؤشرًا اقتصاديًا، وكلما ابتعدت النقطة عن المركز، كلما كان الأداء أفضل في هذا المؤشر. هذا المخطط يعكس تقديرات وتحليلات بناءً على المعلومات المتاحة.

كما يوضح مخطط الرادار، تظهر الاستثمارات كواحدة من النقاط المضيئة في الاقتصاد السوري لعام 2025، بينما تظل البطالة والفقر وحبس السيولة تحديات كبيرة. التضخم وإغراق السوق بالبضائع الأجنبية يعكسان وضعًا متوسطًا مع استمرار الضغوط.

نظرة عامة على حجم التحديات والفرص

يوضح الرسم البياني الشريطي التالي التقدير العام لحجم التحديات والفرص الاقتصادية في سوريا لعام 2025. يتم تقييم كل عامل على مقياس من 0 إلى 10، حيث يشير الرقم الأعلى إلى تأثير أو أهمية أكبر.

يؤكد الرسم البياني الشريطي أن الفقر والبطالة ونقص السيولة هي أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري، تليها التضخم وإغراق السوق بالبضائع الأجنبية. في المقابل، يمثل جذب الاستثمارات فرصة كبيرة للتعافي، بينما يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي متواضعًا.

نظرة تحليلية شاملة: الوضع الاقتصادي السوري في عام 2025

لتقديم صورة أكثر تكاملاً للوضع الاقتصادي في سوريا خلال عام 2025، يمكن استخدام خريطة ذهنية لتوضيح العلاقات المتبادلة بين مختلف العوامل الاقتصادية. هذا سيوفر فهمًا بصريًا للتحديات والفرص الرئيسية.

توضح الخريطة الذهنية أن الفقر والبطالة هما من أبرز المشاكل التي تؤثر بشكل مباشر على الواقع المعيشي للسوريين، بينما تمثل التحديات الهيكلية الأساس الذي يفاقم هذه المشاكل. ورغم وجود مؤشرات إيجابية مثل جذب الاستثمارات، إلا أن التضخم وحبس السيولة وإغراق السوق بالبضائع الأجنبية لا تزال تمثل عقبات رئيسية. النمو المتواضع للناتج المحلي الإجمالي يعكس هشاشة التعافي، مما يؤكد الحاجة إلى جهود شاملة ومتضافرة لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام.

ملخص للوضع الاقتصادي في عام 2025

يظهر الجدول التالي تلخيصًا لأهم المؤشرات الاقتصادية في سوريا خلال عام 2025، مع مقارنة سريعة بين التوقعات والواقع الملموس.

الخاتمة

يظل الاقتصاد السوري في عام 2025 في مفترق طرق حرج. فمن ناحية، هناك مؤشرات تبعث على الأمل مثل جذب الاستثمارات الضخمة وتباطؤ التضخم الظاهري، والتي قد تكون بوادر لعملية إعادة إعمار واسعة النطاق. ومن ناحية أخرى، لا تزال التحديات الهيكلية العميقة، مثل الفقر المدقع، البطالة المستمرة، ونقص السيولة، تلقي بظلالها على حياة الغالبية العظمى من السكان. إن تحقيق تعافٍ مستدام يتطلب ليس فقط جذب رأس المال، بل أيضًا معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية، ودعم الصناعات المحلية، وضمان توزيع عادل لثمار أي نمو اقتصادي.

إقرأ أيضاً: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط النظام السابق

إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عام الفجوة بين الخطاب والواقع

إقرأ أيضاً: السياسة الداخلية في سوريا خلال عام 2025

إقرأ أيضاً: الانتهاكات خلال عام الانتقال السياسي

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.