أجور المواصلات تعود للارتفاع في دمشق.. تسعيرة رسمية بلا تنفيذ
رغم مرور أكثر من شهر على إعلان محافظة دمشق تسعيرة رسمية جديدة لخطوط النقل الداخلي، عادت أجور المواصلات خلال الأيام الماضية إلى الارتفاع بشكل غير معلن، في مشهد يتكرر مع غياب الرقابة الفعلية، ويضاعف الأعباء اليومية على آلاف المواطنين، ولا سيما الطلاب والموظفين.
وكانت المحافظة قد أعلنت في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تسعيرة جديدة لمعظم خطوط النقل الداخلي، في محاولة لضبط الفوضى التي لطالما طبعت هذا القطاع. إلا أن الواقع الميداني سرعان ما خالف القرار، إذ عمد عدد كبير من سائقي السرافيس إلى رفع الأجرة من تلقاء أنفسهم، رغم تزامن ذلك مع انخفاض أسعار المحروقات، ما أثار استياء واسعاً بين الركاب.
قرار معلن… وتسعيرة أخرى في الشارع
تشير مشاهدات يومية إلى أن التسعيرة الرسمية لم تعد معتمدة فعلياً على عدد كبير من الخطوط. ففي حين لا تزال الأجرة المحددة رسمياً لمعظم الخطوط عند 2500 ليرة سورية، بات العديد من السائقين يتقاضون 3000 ليرة، دون أي إعلان رسمي أو توضيح من الجهات المعنية.
أما الخطوط الطويلة التي حُددت تسعيرتها أساساً بـ3000 ليرة، فقد ظهرت فيها مخالفة من نوع آخر، إذ لا يلتزم عدد من السائقين بإكمال الخط حتى نهايته، ويُنزلون الركاب في منتصف الطريق مع تحصيل الأجرة كاملة، ما يفرض على الركاب استخدام وسيلة نقل إضافية للوصول إلى وجهتهم.
هذا الواقع خلق حالة من الإرباك اليومي، خصوصاً في ساعات الذروة، حيث يصعد الركاب إلى السرافيس دون معرفة واضحة بالأجرة، بينما يفرض السائقون التسعيرة الجديدة باعتبارها أمراً واقعاً، في ظل غياب شبه كامل للرقابة الميدانية.
تبريرات السائقين: معيشة وضغط يومي
على بعض الخطوط، مثل مزة جبل – كراجات، يبرر سائقون رفع الأجرة بالظروف المعيشية الصعبة وارتفاع تكاليف العمل، معتبرين أن التسعيرة السابقة لم تعد تغطي نفقاتهم.
ويقول أحد السائقين في حديثه لـ”الحل نت” إن رفع الأجرة لم يكن قراراً فردياً، بل جاء نتيجة اتفاق غير معلن بين عدد من سائقي السرافيس، في ظل قناعة عامة بأن الالتزام بالتسعيرة الرسمية لم يعد ممكناً. ويضيف أن الازدحام المروري يرفع استهلاك الوقود ويطيل ساعات العمل، معتبراً أن زيادة 500 ليرة “لا تشكّل عبئاً كبيراً على الراكب”، لكنها فارقة بالنسبة للسائق الذي يعتمد على السرفيس كمصدر دخله الوحيد.
عبء إضافي على الطلاب
هذه التبريرات لا تلقى قبولاً لدى شريحة واسعة من الركاب، وخصوصاً الطلاب، الذين يرون في الزيادة المفاجئة عبئاً حقيقياً على مصروفهم الشهري.
وتقول الطالبة هديل أسعد، وهي من ريف دمشق، في حديثها لـ”الحل نت”، إن رفع أجور المواصلات شكّل ضغطاً إضافياً على ميزانيتها، خاصة أنها تحتاج يومياً إلى سرفيسين ذهاباً وسرفيسين إياباً للوصول إلى جامعتها. وتوضح أن الزيادة فُرضت دون أي إعلان مسبق أو قرار نظامي واضح، ما وضع الركاب أمام أمر واقع لا يمكنهم الاعتراض عليه.
وتضيف أن هذه الزيادة، وإن بدت بسيطة، تتراكم شهرياً لتتحول إلى مبلغ كبير لا يتناسب مع دخل عائلتها، معتبرة أن بعض السائقين يستغلون حاجة الطلاب والموظفين للمواصلات العامة في ظل غياب الرقابة.
ويرى طلاب آخرون أن المشكلة لا تقتصر على قيمة الزيادة، بل تتعلق أيضاً بغياب الوضوح والالتزام، إذ لا يعرف الراكب مسبقاً الأجرة المفروضة، ولا يملك خيار الاعتراض خوفاً من التأخر أو فقدان وسيلة النقل.
الموظفون أيضاً في دائرة التأثر
ولا يختلف حال الموظفين كثيراً عن الطلاب، إذ ينعكس أي رفع في أجور المواصلات مباشرة على دخلهم المحدود، لا سيما لمن يعتمد بشكل كامل على النقل العام.
وتقول جيهان نعمت، وهي موظفة في دائرة حكومية، لـ”الحل نت”، إنها لاحظت ارتفاع الأجور خلال الأيام الماضية، مؤكدة أن ذلك يؤثر بشكل مباشر على ميزانيتها الشهرية. وتضيف أن المشكلة لا تقتصر على الأجرة، بل تمتد إلى عدم التزام عدد كبير من السائقين بإكمال الخط حتى نهايته.
وتوضح أن أغلب سرافيس خط “دوار شمالي” تُنزل الركاب في منطقة المهاجرين، ما يضطرهم إلى ركوب سرفيس آخر للوصول إلى المواساة، قائلة: “فوق ما الشوفيرية ما بيلتزموا بالأجرة، ما بيكملوا الطريق، ومن نص الخط بيرجعوا”.
فجوة بين القرار والتطبيق
تعكس هذه الشكاوى فجوة واضحة بين القرارات المعلنة والواقع الميداني. فالتسعيرة الرسمية، التي يُفترض أن تكون ملزمة، تحولت في كثير من الخطوط إلى مجرد رقم على الورق، في ظل ضعف الرقابة وغياب المحاسبة.
وبحسب الأنظمة المعمول بها، تُعد محافظة دمشق الجهة المسؤولة عن تحديد تسعيرة النقل الداخلي، إلا أن متابعة تنفيذ القرار على الأرض تبدو محدودة، ما يترك المواطن وحيداً في مواجهة الزيادات اليومية، بين خيار الدفع أو انتظار وسيلة نقل قد لا تأتي.
في مدينة باتت فيها 500 ليرة إضافية قادرة على إحداث فرق حقيقي في ميزانية يوم كامل، تتحول أزمة المواصلات من مسألة خدمية إلى عبء معيشي يومي، تبقى فيه الرقابة الغائبة الحلقة الأضعف، بينما يدفع الركاب وحدهم الثمن.
اقرأ أيضاً:أزمة المواصلات تتفاقم في ريف دمشق.. ووعود رسمية بإعادة توزيع الباصات