سوريا تعلن إطلاق “الليرة الجديدة” بعد حذف صفرين: تحول نقدي يفتح جدلًا اقتصاديًا وثقافيًا واسعًا

في قلب العاصمة دمشق، ومن قصر المؤتمرات الذي شكّل رمزًا لانطلاق مرحلة سياسية مختلفة، أعلنت الدولة السورية مساء الإثنين عن إطلاق الليرة السورية الجديدة، في خطوة وُصفت بأنها تحول نقدي وسياسي كبير يأتي بعد عام على سقوط النظام السابق، ويحمل دلالات قطيعة واضحة مع المرحلة الماضية.

وخلال الإعلان الرسمي، كشف الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع عن العملة الجديدة التي حُذف منها صفران، معتبرًا أن هذا الإجراء لا يندرج ضمن إطار مالي تقني فحسب، بل يمثل عنوانًا لمرحلة جديدة وصفها بأنها “غير مأسوف عليها”، وبداية لمسار يأمل السوريون أن يقود إلى استقرار اقتصادي ونقدي أوسع.

حذف الأصفار وتبسيط التعامل النقدي:

وفي خطاب اتسم بالمكاشفة، وصف الشرع عملية استبدال العملة بأنها “عملية جراحية دقيقة” في بنية الاقتصاد السوري، تهدف إلى إعادة تنظيم المشهد النقدي وتعزيز ثقة المواطنين بالعملة المحلية كركيزة أساسية لبناء اقتصاد جديد.

وأوضح أن حذف الأصفار لا يعني تحسنًا فوريًا في القوة الشرائية أو سعر الصرف، بل يهدف إلى تبسيط التداول والعمليات الحسابية، بعد أن أدى التضخم الكبير إلى فقدان الفئات القديمة قيمتها العملية، حيث باتت ورقة الـ 5000 ليرة لا تتجاوز نصف دولار تقريبًا.

وبيّن أن الإجراء الجديد يجعل 500 ليرة جديدة تعادل 50 ألف ليرة قديمة، بما يخفف الأعباء اليومية على المواطنين في البيع والشراء. وشدد في الوقت ذاته على أن التعافي الاقتصادي الحقيقي مرتبط بزيادة الإنتاج، وخفض البطالة، وتنشيط القطاع المصرفي لضخ السيولة وتحفيز النمو.

هوية جديدة للعملة السورية:

وأكد الرئيس الشرع أن تصميم العملة الجديدة يعكس هوية وطنية مختلفة، تقوم على الابتعاد عن تقديس الأشخاص، مشيرًا إلى أن الرموز المختارة ترتبط بالواقع السوري الملموس، لأن “الأشخاص يذهبون ويأتون”.

وأضاف أن الدولة تعاقدت مع شركات متخصصة لتنفيذ عملية استبدال العملة، مع اعتماد سياسات رقابية تدار عبر ما يشبه غرفة عمليات داخل المصرف المركزي، لضمان سلاسة الانتقال النقدي.

كما شدد على ضرورة مكافحة المضاربات الوهمية خلال فترة الاستبدال، وتوفير السيولة تدريجيًا بما لا يفاقم معدلات التضخم، داعيًا إلى ترسيخ ثقافة نقدية جديدة لدى المواطنين.

جدل واسع حول تصميم العملة الجديدة:

بعيدًا عن المؤشرات الاقتصادية، أثار التصميم الفني للأوراق النقدية الجديدة جدلًا واسعًا وانقسامًا حادًا في الشارع السوري وعلى منصات التواصل الاجتماعي. فقد استُبدلت الصور التقليدية للشخصيات والآثار والمباني التاريخية برسوم رمزية تمثل الطبيعة والثروات البيئية السورية.

وتصدّرت رموز مثل الوردة الشامية، القمح، الزيتون، التوت، البرتقال، إلى جانب الحصان العربي، عصفور الدوري، والريم، في محاولة رسمية للابتعاد عن أي رمزية جغرافية أو سياسية حساسة.

غير أن هذا التوجه قوبل بانتقادات حادة، إذ رأى معارضون أن تغييب الآثار السورية العريقة يشكّل مساسًا بالهوية التاريخية والحضارية الممتدة لآلاف السنين، معتبرين أن استبدالها برموز طبيعية فقط قد يختزل تاريخ سوريا الغني ويثير مخاوف من طمس الذاكرة الحضارية.

كما اعتبر آخرون أن حذف الأصفار لا يعالج جذور الأزمة الاقتصادية، وذهب بعضهم إلى السخرية من القرار بوصفه محاولة تجميلية لا تمس الأسباب البنيوية للانهيار الاقتصادي.

مؤيدو العملة الجديدة: رمزية للحياة والحياد:

في المقابل، دافع مؤيدو التصميم الجديد عن الخطوة، واصفين العملة بأنها عصرية وواضحة وتواكب المعايير العالمية من حيث الألوان والعناصر البصرية. واعتبروا أن الرموز الطبيعية تعكس الانتماء للأرض السورية ككل دون تمييز مناطقي أو سياسي.

وأشاد هذا التيار باستخدام الشكل المثمن السلجوقي في قلب التصميم، بوصفه عنصرًا جماليًا يعبّر عن استمرارية الثقافة السورية وجذورها الإسلامية والشرقية، معتبرين أن العملة الجديدة تمثل انحيازًا للحياة والنمو والجمال الطبيعي بعيدًا عن تمجيد الأشخاص أو رموز الماضي المرتبطة بالدمار.

اختبار الثقة في مرحلة ما بعد التغيير:

وبين التفاؤل بولادة مرحلة نقدية جديدة، والتشكيك بقدرتها على تحسين الواقع المعيشي، تقف الليرة السورية الجديدة اليوم كأول اختبار حقيقي للثقة بين المواطن والدولة في مرحلة ما بعد التغيير، وسط ترقب واسع لما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية، التي تبقى الهاجس الأبرز للسوريين، مهما اختلفت الرموز المطبوعة على عملتهم الوطنية.

إقرأ أيضاً: الليرة السورية بصيغة جديدة: أسئلة التغطية والكلفة قبل دخول 2026

إقرأ أيضاً: خبير اقتصادي: تحسن الليرة السورية هش ويعتمد على العوامل النفسية بعد إلغاء قانون قيصر

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.