الربط البري بين السعودية وسوريا يعيد إحياء “خط الحجاز”.. مشروع استراتيجي
في خطوة وُصفت بأنها تاريخية من حيث الأثر الاقتصادي والجغرافي، أعلنت المملكة العربية السعودية بدء تنفيذ مشروع الربط البري بين الرياض ودمشق، في مسار يعيد إلى الأذهان خط الحجاز الشهير الذي شكّل في بدايات القرن العشرين أحد أبرز جسور التواصل بين الجزيرة العربية وبلاد الشام.
المشروع الجديد، الذي يأتي في توقيت بالغ الأهمية إقليمياً، يُنظر إليه كجزء من الرؤية السعودية الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي وفتح مسارات جديدة أمام التجارة والاستثمار بين دول المنطقة. ويعيد هذا التحرك إحياء الدور التاريخي للممر البري بين المشرق والخليج، لكن برؤية عصرية ترتكز على بنية تحتية حديثة وممرات لوجستية متكاملة.
من إرث تاريخي إلى مشروع مستقبلي
يقول الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي في حديث مع موقع المدن إن مشروع الربط البري بين الرياض ودمشق ليس جديداً تماماً، إذ سبق أن طُرح على طاولة النقاش في مراحل سابقة بمبادرة من تركيا وسوريا لإنشاء شبكة طرق تربط الشمال بالجنوب، من تركيا مروراً بالأردن وصولاً إلى الخليج.
ويؤكد قضيماتي أن المشروع يحمل أبعاداً اقتصادية هائلة، نظراً إلى ما يوفره من إمكانات في نقل البضائع وتعزيز التجارة البينية بين الدول، مشيراً إلى أن نجاحه يتطلب دراسات دقيقة وخططاً لوجستية متكاملة تضمن كفاءة تشغيل الطرق الدولية.
وأضاف أن التنفيذ سيحتاج إلى تمويل كبير وتنفيذ دقيق وتجهيز شامل للبنية التحتية في المناطق التي يمر بها الخط، متوقعاً أن يبدأ تشغيله العملي خلال فترة تتراوح بين سنتين وأربع سنوات.
ويرى قضيماتي أن المشروع سيُنفّذ على مراحل تغطي كل دولة على حدة، مع احتمال توسيعه مستقبلاً ليصل إلى ربط أوروبا بالخليج عبر تركيا وسوريا والأردن، ما يجعله بديلاً استراتيجياً للممرات البحرية في أوقات الأزمات، كما حدث خلال جائحة كورونا حين تعطلت حركة الشحن البحري.
فوائد اقتصادية عابرة للحدود
يمثل مشروع الربط البري نقلة نوعية في بنية النقل الإقليمي. وبحسب تقرير صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، فإن تحسين شبكات النقل البرية يمكن أن يخفض تكاليف التجارة بنسبة تتراوح بين 5.4% و17.2%، ما من شأنه زيادة حجم التجارة البينية بين الدول المرتبطة بالممر الجديد.
وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن تطوير ممرات النقل الإقليمية يسهم في تحقيق توازن تجاري أفضل، خصوصاً في الدول التي تعتمد على النقل البري بشكل أساسي. وفي هذا الإطار، تظهر البيانات أن السعودية استثمرت نحو 6.4 مليار دولار في مشاريع إعادة الإعمار داخل سوريا، تشمل البنية التحتية والاتصالات، ما يعكس التزاماً سعودياً بدعم التعاون الاقتصادي مع دمشق.
أنقرة تدخل على الخط
في السياق ذاته، أعلن وزير التجارة التركي عمر بولات حرص بلاده على إحياء طريق الشرق الأوسط التاريخي الذي يمر عبر سوريا والأردن، بالتنسيق مع حكومة دمشق. وأوضح أن الممر الجديد سيسهم في تعزيز التجارة بين أوروبا ودول الخليج عبر شبكة نقل برية متكاملة تمتد من تركيا جنوباً حتى شبه الجزيرة العربية.
ويرى مراقبون أن هذا التنسيق يعكس مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي بين أنقرة ودمشق، ضمن رؤية مشتركة لتحويل الطريق التاريخي إلى ممر تجاري حديث يختصر المسافات الزمنية والتكاليف اللوجستية، ويشكّل في الوقت ذاته مكملاً استراتيجياً لخط الحجاز ومحوراً رئيسياً في شبكة النقل الإقليمي الجديدة.
دمشق تعود إلى قلب التجارة الإقليمية
الباحث الاقتصادي في شركة كرم شعار للاستشارات ملهم الجزماتي يرى أن زيارة الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إلى المملكة تمثل منعطفاً اقتصادياً مهماً، إذ أرست أسس مرحلة جديدة من التعاون العربي القائم على المشاريع العملية لا على الشعارات السياسية.
ويؤكد الجزماتي أن المشروع يشكّل ممرّاً استراتيجياً يربط الخليج ببلاد الشام وتركيا وأوروبا عبر الأراضي السورية، ما يعني عملياً إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي كمركز عبور تجاري بعد أكثر من عقد من التراجع الاقتصادي والعزلة الدولية.
ويضيف أن الممر سيؤدي إلى خفض تكاليف النقل وزمن الشحن مقارنة بالمسارات البحرية عبر قناة السويس، الأمر الذي سيعزز تنافسية الصادرات الخليجية ويُعيد تنشيط قطاع النقل البري والترانزيت في سوريا، وهو من القطاعات التي كانت تشكّل قبل عام 2011 أحد أهم مصادر الدخل القومي.
ومن المتوقع أن يوفر المشروع آلاف فرص العمل في مجالات النقل، والصيانة، والخدمات اللوجستية، والضيافة، إضافة إلى إحياء الشركات المحلية العاملة في هذه القطاعات.
انعكاسات اقتصادية وسياسية متداخلة
يرى الجزماتي أن المشروع لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية، بل يحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية، إذ يشكّل بوابة لإعادة دمج سوريا تدريجياً في النظام الاقتصادي العربي والدولي.
ويشير إلى أن الشراكة مع السعودية بما تمتلكه من ثقل مالي واستثماري ترسل رسائل طمأنة إلى الأسواق الدولية بأن سوريا تتجه نحو مرحلة من الاستقرار والانفتاح الاقتصادي، ما قد يمهد لاحقاً لتخفيف العقوبات وعودة البلاد إلى الخارطة الاستثمارية في الشرق الأوسط.
كما يتوقع أن تشكّل العائدات السورية من رسوم العبور والضرائب الجمركية مصدراً مهماً للنقد الأجنبي، يدعم إعادة تأهيل البنية التحتية بمشاركة شركات خليجية في مجالات البناء والتمويل والتأمين والخدمات اللوجستية.
اتفاق ثلاثي لإحياء خط الحجاز
وفي سياق متصل، كانت المدن قد سلطت الضوء في تقرير سابق على الاجتماع الثلاثي بين وزراء النقل في سوريا وتركيا والأردن الذي عُقد في عمّان في 20 تشرين الأول الجاري، وتم خلاله الاتفاق على استكمال 30 كيلومتراً من خط الحجاز داخل الأراضي السورية بدعم تركي مباشر، مع تكليف الأردن بدراسة تشغيل وصيانة القاطرات حتى دمشق.
كما ناقش الوزراء تعزيز الربط الإقليمي من خلال ممرات جديدة تربط تركيا بالبحر الأحمر عبر ميناء العقبة، في خطوة تهدف إلى إنشاء شبكة نقل متعددة الاتجاهات يمكن أن تنافس الممرات البحرية، بما في ذلك قناة السويس، في بعض أنواع الشحن البري–البحري.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة