إلغاء تقييد إنشاء المنشآت الصناعية في سوريا.. جدل بين التنظيم والعشوائية وتسهيل الاستثمار

أثار التوجه الحكومي السوري نحو إلغاء البلاغ رقم 10 وتعديل البلاغين رقم 16 و 17، نقاشاً واسعاً حول مستقبل القطاع الصناعي، حيث يهدف هذا التوجه إلى تسهيل إقامة المنشآت الصناعية خارج المدن والمناطق الصناعية والمخططات التنظيمية. هذا الإجراء، الذي يأتي في سياق تشجيع الاستثمارات الصناعية المرتقبة، يواجه تحذيرات من عودة العشوائية على حساب الأراضي الزراعية والبنى التحتية.

ما هو البلاغ رقم (10) وما الهدف من إلغائه؟

البلاغ رقم 10، الصادر في عام 2018، ينص على منع ترخيص المنشآت الصناعية بجميع أنواعها وأشكالها (بما في ذلك الصناعات المعتمدة على المنتجات الزراعية) خارج المدن والمناطق الصناعية وخارج المخططات التنظيمية.

تهدف الحكومة الحالية إلى إلغائه، إلى جانب مراجعة البلاغين رقم 16 و 17 المكملين له، وذلك من أجل:

  • تلبية رغبة الصناعيين خاصة في المحافظات التي لا تتوفر فيها مدن ومناطق صناعية مجهزة (كحماة ودير الزور وإدلب).
  • جذب الاستثمارات الصناعية وتسهيل إجراءات منح الموافقات، لا سيما في ضوء مذكرات التفاهم الاستثمارية الموقعة مؤخراً.
  • تنشيط حركة الصناعة في المناطق الريفية، وتوفير فرص عمل، وتخفيف التكاليف مقارنة بالمناطق الصناعية المخدمة.

وفي هذا الصدد، أفاد مدير الاستثمار الصناعي في وزارة الاقتصاد السورية، بسمان مهنا، “لتلفزيون سوريا” بتشكيل لجنة حكومية من رئاسة مجلس الوزراء تضم ممثلين من وزارات الاقتصاد والصناعة، والإدارة المحلية، والزراعة، لدراسة ووضع مسودة بلاغ واحد مشترك يخدم المرحلة ويتلاءم مع التطور الصناعي وجلب الاستثمارات.

آراء متباينة: مرونة بيروقراطية أم فوضى اقتصادية؟

تباينت آراء الخبراء الاقتصاديين حول جدوى هذا التوجه، حيث انقسمت بين مؤيد لـ الإلغاء المؤقت كحل عملي، ومحذر من تداعياته السلبية طويلة الأمد:

1. المخاوف من العشوائية والتأثير السلبي (يونس الكريم – مدير منصة “اقتصادي”):
يرى أن الإلغاء يعني العودة إلى نقطة الصفر والانتشار العشوائي للصناعة وما يتبعه من ضجيج وتلوث وانهيار للبنى التحتية.

يعتقد أن الإلغاء سيؤدي إلى تقلص المساحات الزراعية التي ستتحول إلى مناطق تصنيع.

يحذر من أن فتح المجال لإنشاء المصانع في الأراضي الزراعية قد يخلق فوضى جديدة ويزيد من فرص الفساد الإداري، ويرفع أسعار العقارات في المناطق التي ستصبح صناعية.

يقترح أن الأولوية يجب أن تكون لـ إعادة تقييم المشاريع الصناعية القائمة لفرز النشطة والمتوقفة وإنذار أصحاب المتوقفة لإعادة تفعيلها قبل إدخال مستثمرين آخرين.

2. التأييد لـ الإلغاء المؤقت كضرورة (رضوان الدبس – خبير اقتصادي):
يشير إلى أن المدن الصناعية المخدمة والمؤهلة تقتصر عملياً على الشيخ نجار بحلب وحسياء في حمص، بينما تعاني محافظات أخرى من غيابها.

يرى أن الإلغاء المؤقت للبلاغ رقم 10 سيسهل افتتاح مصانع وورش عمل، ويوفر حرية أوسع للنشاط الصناعي وتسريعه، إلى حين تنظيم وتجهيز البنى التحتية للمدن الصناعية في جميع المحافظات.

يلفت إلى أن الإلغاء يفتح المجال أمام مشاريع الإنتاج الصناعي الحيواني والزراعي (كالألبان والأجبان وتعليب اللحوم) التي تناسب البيئة الزراعية.

ينصح ببدء العمل الفوري على خطة بديلة تشمل تأسيس مناطق صناعية منظمة ومجهزة في المحافظات الخالية منها، لتجنب الآثار السلبية على البيئة.

تحديث المنظومة القانونية ودعم القطاع

وفي إطار توجه الحكومة لتسهيل بيئة الاستثمار، أكد محمد ياسين حورية، معاون وزير الاقتصاد والصناعة، على مراجعة شاملة للقرارات والبلاغات الناظمة للعمل الصناعي، وفي مقدمتها البلاغ رقم 10، بالإضافة إلى مراجعة البلاغين رقم 16 و 17، بهدف تحديث المنظومة القانونية بما يتماشى مع متطلبات المرحلة.

يأتي هذا التوجه في ظل نشاط صناعي ملحوظ، حيث كشف حورية عن عودة أكثر من 1,500 معمل للعمل داخل سوريا، مع استمرار ورود طلبات يومية من صناعيين خارج البلاد، ما يشير إلى استعادة ثقة المستثمرين في البيئة الصناعية السورية. كما أشار إلى تبسيط وتسريع إجراءات منح الموافقات الصناعية وإعفاء الآلات الجمركي.

يبدو أن الحكومة السورية تسعى لتحقيق توازن صعب بين ضرورة تنشيط وتسهيل الاستثمار الصناعي لمواكبة متطلبات التعافي الاقتصادي، والحاجة الملحة إلى الحفاظ على التنظيم والتخطيط الحضري وحماية الأراضي الزراعية من الزحف العشوائي.

اقرأ أيضاً:هيومن رايتس ووتش: القوات الإسرائيلية ترتكب انتهاكات جسيمة في جنوب سوريا

اقرأ أيضاً:غرفة تجارة دمشق: آلاف الشركات الجديدة وخطط لتنظيم السوق

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.