“المقاومة الوطنية” تتبنى عملية ضد الاحتلال في القنيطرة.. دلالات ونتائج
شهد الجنوب السوري تطوراً لافتاً بعد إعلان مجموعة تُطلق على نفسها اسم “المقاومة الوطنية” تبنّيها عملية تفجير استهدفت مدخل موقع عسكري للإحتلال الإسرائيلي مستحدث في ريف القنيطرة، أسفرت عن إصابة ضابط احتياط إسرائيلي بجروح وُصفت بالبليغة، نُقل على إثرها إلى مشفى “رامبام” في حيفا.
هذه العملية لا تبدو حادثاً ميدانياً معزولاً، بل تحمل مؤشرات على تحوّل في مسار الصراع على الجبهة الجنوبية. إذ اعتُبر الإعلان أول ظهور منظم لمقاومة مسلحة ضد “إسرائيل” في الجنوب منذ سنوات، بعد أن كانت محاولات سابقة تقتصر على مبادرات فردية أو محدودة، مثل بيانات مسلّحين في ريف دمشق الغربي (نيسان/أبريل 2025).
أهمية المكان والتوقيت
اختيار ريف القنيطرة لتنفيذ التفجير يكتسب بعداً خاصاً لقربه من حدود الجولان المحتل، وهي منطقة تسعى “إسرائيل” إلى إبقائها هادئة منذ توقيع اتفاقية فك الاشتباك عام 1974. أي تصعيد هناك يفرض على تل أبيب إعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية، حيث لا يكفي الرد الجوي أو الاستطلاع الاستخباري، بل يستدعي تعزيز الانتشار الميداني وتكثيف الضربات الاستباقية.
كما أن توقيت العملية يتزامن مع مسار دبلوماسي سوري–إسرائيلي غير معلن بالكامل، ما يجعلها بمثابة رسالة مزدوجة: للداخل السوري بأن خيار المقاومة ما يزال مطروحاً، ولإسرائيل بأن أي تفاهمات أمنية لن تستقر إذا تجاهلت القوى المحلية المسلحة.
السياق الميداني
منذ مطلع 2025 ظهرت مؤشرات على عودة النشاط المقاوم في الجنوب السوري، من خلال عمليات محدودة ضد دوريات إسرائيلية عبر زرع عبوات ناسفة أو محاولات اشتباك مباشر. إلا أن عملية القنيطرة تميزت بثلاث سمات:
-
استهداف مباشر لموقع عسكري إسرائيلي مستحدث، ما يعكس قدرات في الرصد والتحضير المسبق.
-
إصابة ضابط إسرائيلي بجروح خطيرة، وهو تطور لا يمكن لإسرائيل الاكتفاء بإدارته إعلامياً.
-
إعلان جماعة منظّمة مسؤوليتها، ما يمنح العملية بُعداً سياسياً وأمنياً واضحاً.
الأبعاد الأمنية والسياسية
من منظور إسرائيلي، يمثل التفجير تهديداً مركباً ميدانياً وسياسياً. فجنوب سوريا خط تماس مباشر مع الجولان المحتل، وأي تصعيد هناك قد يحوّله إلى ساحة استنزاف مستمرة.
سياسياً، يتعارض التصعيد مع مسار التفاهمات الأمنية الجارية، ما يضع تل أبيب أمام معضلة: الرد العسكري قد يهدد هذه التفاهمات، بينما تجاهل الحادثة قد يُقرأ كضعف ويشجع على تكرارها.
خيارات “إسرائيل” تبدو محصورة بين:
-
تعزيز الانتشار الميداني والاستخباراتي في الجنوب.
-
تكثيف الغارات ضد مواقع يُعتقد أنها تضم عناصر مرتبطة بإيران أو حزب الله، أو حتى فلول جماعات كانت تنشط في القنيطرة سابقاً.
-
استثمار الحادثة دبلوماسياً للتأكيد على خطورة التهديد وشرعنة تدخلات عسكرية إضافية.
أبعاد إقليمية
سارعت وسائل إعلام إسرائيلية إلى وصف الجماعة بأنها امتداد للمحور الإسلامي الإقليمي، وربطت تحركها بالاستراتيجية الإيرانية في سوريا. ورغم أن العملية تحمل طابعاً محلياً، إلا أنها قد تكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإعادة فتح جبهة الجولان ضمن إطار “محور المقاومة”، خصوصاً مع الحديث عن ارتباطات غير مباشرة بين ريف دمشق الغربي وحزب الله عبر شبكات وخلايا نائمة.
خلاصة
عملية القنيطرة تعكس أكثر من مجرد هجوم ميداني؛ فهي تحمل رسائل سياسية وأمنية متداخلة، وتفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة في الجنوب السوري، بين احتمال تحوله إلى جبهة استنزاف لإسرائيل، أو استخدام الحادثة لتبرير عمليات عسكرية أوسع. وبين هذه الاحتمالات، يبقى الجنوب السوري ساحة مفتوحة على ديناميات محلية وإقليمية متشابكة.
اقرأ أيضاً:توغلات إسرائيلية جديدة في القنيطرة تتخللها عمليات تفتيش واستبيان للأهالي