الصناعة السورية بين الرهانات والتحديات: هل تتجاوز أزمتها؟
بعد أكثر من عقد من العزلة التي فرضتها الظروف الأمنية والسياسية، تسعى الحكومة السورية الحالية إلى إعادة تحريك عجلة الاقتصاد من خلال القطاع الصناعي، بوصفه إحدى الركائز الأساسية لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية. ورغم استمرار أثر العقوبات السابقة على تدفق الاستثمارات، إلا أن الرهان اليوم يتجه نحو القدرات المحلية وتحديث خطوط الإنتاج.
ارتفاع الطلب على خطوط الإنتاج
تشير بيانات وزارة الاقتصاد والصناعة إلى تحوّل تدريجي في المشهد الصناعي مع نهاية 2024. فمنذ كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام وحتى نهاية آب الماضي، تم تسجيل 1389 طلباً لاستيراد خطوط إنتاج جديدة للمعامل، جميعها أُنجز استيرادها.
وبحسب معاون وزير الاقتصاد والصناعة لشؤون الصناعة، محمد ياسين حورية، فإن هذه الأرقام تعكس رغبة متزايدة في تحديث وتنويع الصناعات السورية، بما يلبي احتياجات السوق المحلية ويفتح آفاقاً جديدة للتصدير.
أبرز القطاعات:
-
الصناعات الكيماوية: 396 طلباً.
-
الصناعات الهندسية: 382 طلباً.
-
الصناعات النسيجية: 381 طلباً.
-
الصناعات الغذائية: 230 طلباً.
كما تم تسجيل 407 طلبات لاستيراد آلات إنتاجية مفردة، استحوذت الصناعات الكيماوية على الحصة الأكبر منها (161 طلباً)، تلتها الصناعات الغذائية (116 طلباً)، فالقطاع الهندسي (82 طلباً)، والنسيجي (48 طلباً).
جدوى الاستثمار الصناعي
يرى حورية أن الاستثمار في خطوط الإنتاج يمثل فرصاً وتحديات في آن واحد، تتلخص في:
-
الحاجة إلى إعادة الإعمار والتصنيع.
-
الحوافز والدعم الحكومي.
-
توفر الموارد البشرية والطبيعية.
-
التحسن التدريجي في البيئة الاستثمارية.
ويشير إلى أن التوجه الصناعي الحالي يهدف إلى:
-
تلبية احتياجات إعادة الإعمار، خاصة في مواد البناء.
-
تحقيق الأمن الغذائي والدوائي.
-
توفير السلع الأساسية، ومنها المنظفات والمنتجات الغذائية.
-
التوجه نحو الطاقة المتجددة لمعالجة أزمة الكهرباء.
-
تعزيز القدرة التصديرية وجلب العملات الصعبة.
أولوية التصدير والعملات الصعبة
تركز الحكومة على تطوير الصناعات القادرة على التصدير، مثل الملابس الجاهزة، التي تعتبر من القطاعات ذات القيمة المضافة العالية في الأسواق الإقليمية والدولية. كما يجري العمل على إدماج حلول للطاقة المتجددة ضمن خطوط الإنتاج، انسجاماً مع أهداف التنمية المستدامة.
المرسوم 114: حوافز جديدة
في هذا السياق، صدر المرسوم التشريعي رقم 114 للعام 2025، الذي منح إعفاءات جمركية وضريبية لمستوردات خطوط الإنتاج والآلات والمعدات، بما يشمل:
-
إعفاء كامل لمستوردات المشاريع الاستثمارية.
-
إعفاء الأجهزة الطبية الخاصة بالمراكز الصحية والمستشفيات.
-
منح إقامة مؤقتة للمستثمرين الأجانب لحين تشغيل مشاريعهم.
كما عدّل المرسوم بعض مواد قانون الاستثمار، مانحاً:
-
إعفاء ضريبي دائم بنسبة 100% لمشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني.
-
تخفيض ضريبي بنسبة 80% للمشاريع في المناطق التنموية.
-
حوافز إضافية للصناعات الطبية والزراعية والمشاريع التصديرية.
دعوات لإعادة تأهيل شاملة
يرى الصناعي السوري حسام مكي أن القطاع الصناعي يحتاج إلى إعادة تأهيل واسعة تبدأ من تفعيل دور المصرف الصناعي وتمويل المشاريع المتعثرة، مروراً بإنشاء صندوق للتنمية الصناعية، وصولاً إلى دعم استيراد التقنيات الحديثة.
وأكد مكي أن إعفاء خطوط الإنتاج من الرسوم الجمركية خطوة إيجابية، لكنها تحتاج إلى استكمال عبر حزمة إجراءات داعمة تضمن استدامة التطوير.
نحو صناعة تنافسية ومستدامة
يشدد خبراء الصناعة على أن حماية الصناعة المحلية وتعزيز تنافسيتها لم يعد خياراً بل ضرورة وطنية. ويعتبرون أن تطوير خطوط الإنتاج أصبح الركيزة الأساسية لعودة قوة المنتج السوري إلى الأسواق.
وبحسب مكي، فإن القطاع الخاص السوري مستعد للإسهام في النهضة الصناعية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا وتدريب الكوادر وتوسيع الشراكات مع الحكومة. فـ”مستقبل سوريا يبدأ من مصانعها”، على حد تعبيره.
الخلاصة
القطاع الصناعي السوري يدخل مرحلة جديدة، تجمع بين الفرص الواعدة والتحديات القائمة. وبينما تراهن الحكومة على خطوط الإنتاج الجديدة كأداة للنهوض الاقتصادي وتحقيق الأمن الغذائي والتصديري، يبقى نجاح هذه المساعي مرهوناً بقدرة الدولة على توفير بيئة استثمارية مستقرة ودعم متواصل يضمن استدامة التطوير الصناعي.
اقرأ أيضاً:سوريا توقع عقود استثمار سياحي بـ 1.5 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد