مآخذ على حراك السويداء.. إساءاتٌ للمطالب وحرفٌ للمسار

خرج عدد من أهالي السويداء منذ أسبوعين إلى الشارع في حراكٍ مطلبي للاحتجاج على تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد نتيجة العديد من الظروف، وكانت هذه الفعاليات تحمل مطالب مشروعة ومنطقية، تستند إلى حق المواطن في التعبير عن معاناته، لكن مع مرور الأيام بدأ ذلك الحراك بالتحول إلى شيءٍ آخر يُحمّل المطالب والمحتجين صوراً وحيثيات لا تشبه تطلعاتهم.

وكان أول ما يثير الانتباه في العديد من مظاهر الحراك في السويداء هو رفع بعض المتظاهرين لأعلام غير العلم السوري، مثل علم طائفة الموحدين الدروز المحترم أصلاً من قبل جميع مكونات الشعب السوري أو علم الانتداب، في إشارةٍ إلى نية بعض المحرضين لخلق فتنة طائفية أو قبلية أو سياسية داخل سورية، متناسين أن أهالي السويداء هم جزء من شعب متّحد في مصيره ومستقبله، وأن رفع علم غير وطني (علم الانتداب) يعني خيانة لكل شهداء سورية الذين قدموا دمائهم في سبيل حفظ سيادة وأمن بلدهم، بما فيهم شهداء السويداء الذين قضوا في مواجهة جماعات إرهابية كانت ترفع تلك الراية، فيما أثار العلم الديني حفيظة عدد من عقلاء السويداء ومثقفيها وغيرهم، الذين أكدوا قداسته بالنسبة لهم، ولكن دون تسييسه.

ما يثير التساؤلات أيضاً هو ظهور ما يسمى بمركز إعلام الانتفاضة، الذي يعمل على الضخ الإعلامي الموجه والمحرض لتحريك الشارع عبر بث شعارات واللعب على مشاعر وعواطف الناس، وهذا المركز، الذي لا يُعرف عنه أي شيء سوى أنه ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، سعى جاهداً إلى تحويل التظاهرات من مطالب معيشية إلى مطالب سياسية، ومن انتقادٍ للحكومة إلى هجوم على الرموز الوطنية، ومن حراكٍ شعبي إلى انتفاضة ثورية، مستخدماً شعار “القبضة” الذي يرمز إلى الثورات الملونة التي شهدتها مختلف دول العالم بدعم من القوى الغربية، في محاولةٍ لإثارة الفوضى والانقسام.

يأتي ثالثاً دور بعض القيادات التي تروج لنفسها على أنها زعامات للحراك، وهم بالأساس قادة لفصائل مسلحة تحت اسم “لواء الجبل” أو “رجال الكرامة” أو غيرها، مستغلين حالة الغضب والاستياء لتحقيق أجنداتٍ خاصة بهم، سواء كانت طائفية أو قبلية أو شخصية، محاولين تقديم أنفسهم على أنهم مدافعين عن حقوق وكرامة أهالي السويداء، في حين أنهم ظهروا في عدة مناسبات يلمّحون إلى فكرة الحكم الذاتي والإدارة المنفصلة لمحافظتهم.

جميع تلك العوامل، التي تشوه صورة الحراك في السويداء، جعلت كثيرين من أبناء المحافظة يتراجعون عن المشاركة فيها، أو يتبرؤون منها، أو ينددون بها، معتبرين أنها لم تعد تعبر عن مطالبهم المشروعة، بل أصبحت أداةً لخدمة مصالح خارجية وداخلية تسعى إلى زعزعة استقرار البلاد وإضعاف وحدتها، فقد أثبتت التجارب السابقة أن حل الأزمات ليس في رفع أعلامٍ غير وطنية أو في استجداء التدخلات الخارجية أو في اتباع شعاراتٍ فارغة، بل في حوارٍ سوري – سوري، وفي دعم جهود إحلال السلام والأمان.

وجاء هذا الموقف مدعماً، ببيان شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ “يوسف جربوع” الذي أكد أن أهالي السويداء لا يقبلون بأن يتدخل أحد في شؤونهم أو يحرف مسار حراكهم، وأنهم جزء لا يتجزأ من سورية ولا يقبلون بالانفصال عنها أبداً، ولديهم قناعة بأن مصيرهم يرتبط بالقرار الوطني على مر التاريخ، وأن هذا هو خيارهم الاستراتيجي والوطني.

شيخ العقل كان عقلانياً في طرحه لقضية رفع راية التوحيد ضمن التظاهرات التي تجري في عدة مناطق بالمحافظة، معتبراً أنها تمثل أهالي السويداء كطائفة وهي مدعاة للفخر، مبيناً أنه لا داعي لتسييسها ورفعها في الشوارع، مشدداً على أن للأهالي ثوابت مشى عليها أسلافهم من قبلهم، ممثلةً بالدولة السورية والجيش والقيادة، خاتماً بيانه بدعوة أبناء المحافظة لأن يكونوا بسياق توجهٍ كامل بعدم الخروج عن الخط الوطني.