ما بعد الأسد: من يرث اقتصاد المخدرات في سوريا؟

داما بوست -خاص

بالرغم من السقوط الدراماتيكي لنظام بشار الأسد، وتفكك البُنى الأمنية والعسكرية التي حكمت سوريا لعقود، ورغم تفكيك عدد من معامل تصنيع الكبتاغون والكشف عن مستودعاته، فإن شبكات تهريب وتصنيع المخدرات لم تتراجع. بل استمرت في عملها بوتيرة لافتة، تكاد تضاهي نشاطها في ذروة نفوذ النظام السابق. هذا الواقع يثير تساؤلات عميقة: من هي الأطراف التي ورثت هذا الاقتصاد غير الشرعي؟ ومن يقف اليوم خلف هذه الشبكات التي لم تنكفئ رغم انهيار الدولة التي رعَتها؟

إقرأ أيضاً: من يدير اقتصاد الظل في سوريا 2025؟

احصائيات صادمة على لسان “الداخلية

من خلال بيانات وزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية، بعد إحصاء العمليات الأمنية التي نُفذت منذ سقوط النظام، تبيّن أن حصيلة ما تم ضبطه تجاوزت 78 مليون حبة كبتاغون، توزعت على النحو التالي:

العدد الوحدة المادة المكان
60,000,000 حبة كبتاغون اللاذقية
4,000,000 حبة كبتاغون اللاذقية
9,000,000 حبة كبتاغون الحدود التركية
3,000,000 حبة كبتاغون ريف دمشق – النبك
1,700,000 حبة كبتاغون ريف درعا
500,000 حبة كبتاغون الحدود اللبنانية
100,000 حبة كبتاغون الحدود الأردنية
50,000 حبة كبتاغون السفيرة – ريف حلب

 

بالإضافة إلى ذلك، سُجل ضبط 2000 غرام من الكوكايين عند الحدود اللبنانية، و215 كيلوغرام من الحشيش، و500 كف منه. ويلاحظ أن السلطات الأردنية أعلنت عن ضبط 200  ألف حبة كبتاغون إضافية على الحدود السورية الاردنية، لم ترد في بيانات الوزارة السورية، ما يثير تساؤلات حول التنسيق الحدودي أو ربما حجم ما لم يُكشف بعد.

 

جغرافيا التهريب: خارطة ممتدة على أطراف سوريا

البيانات السابقة تشير إلى أن التهريب لا يقتصر على نقطة أو منطقة واحدة، بل يشمل أغلب أطراف البلاد:

  • الشمال: اللاذقية – الحدود التركية
  • الجنوب: السويداء – درعا – الحدود الأردنية
  • الغرب: الحدود اللبنانية
  • الشرق: ممرات البادية

وهذا الانتشار الواسع يعكس أن شبكات المخدرات لم تعد محصورة في منطقة سيطرة معينة، بل باتت تعتمد على خريطة مصالح مرنة، تتكيف مع تغيّر اللاعبين المحليين، وتتحرك وفق خطوط الضعف في الجغرافيا الأمنية.

 

طرق التهريب: من العجلات إلى الطائرات المسيّرة

لم يعد تهريب المخدرات نشاطاً بدائياً يعتمد على السيارات المموّهة أو الدروب الجبلية، بل وصل إلى مستويات “عالية التقنية”.
فقد أعلنت السلطات الأردنية عن إحباط عملية تهريب عبر طائرة مسيّرة اخترقت الأجواء من الغرب إلى الشرق، محاولة نقل شحنة من المواد المخدرة، ما يعكس تنظيمًا متقدّمًا وتنسيقًا لوجستيًا عالي المستوى. كما سُجلت حالات تهريب عبر أنابيب حديدية، وإطارات عجلات، وحتى بالونات موجهة.

 

من المستفيد بعد السقوط؟

هذه المعطيات تضعنا أمام فرضيتين رئيسيتين:

  1. أن شبكات التهريب لم تكن مرتبطة بالنظام بشكل مباشر، بل استغلت حالة ضعف الدولة لتنشئ اقتصادًا موازياً مستقلًا، واستمرت بعد السقوط ببنيتها الخاصة وآلياتها الممتدة.
  2. أو أنها كانت بالفعل جزءًا من منظومة النظام، ومع سقوطه انفصلت عن قيادتها السياسية والأمنية، لكنها احتفظت بقنوات العمل والتمويل والتوزيع، وتحولت إلى “كيانات مافيوية” تدير نشاطها بأساليب أكثر استقلالاً.

وفي كلا الحالين، نحن أمام منظومة قائمة بحد ذاتها، تتغذى على الجغرافيا السورية المفتوحة، وعلى هشاشة السلطة المركزية، وعلى تنامي الحاجة لدى بعض المجتمعات المهمّشة لمصادر دخل غير مشروعة.

التحالف مع داعش: تحوّل في ديناميكيات التهريب

بحسب تقارير محلية وشهادات ميدانية، فإن مجموعات التهريب بدأت منذ أشهر تعزيز علاقاتها مع خلايا تنظيم داعش في بعض المناطق الشرقية والجنوبية، خاصة مع تراجع قبضة الدولة على بعض البؤر المعزولة، وهو ما فتح بابًا جديدًا لتبادل المصالح: الحماية مقابل التمويل.

اللافت أن ريف السويداء بات يوصف، وفقًا لناشطين محليين، كأحد أهم مراكز تصنيع وتهريب المخدرات، نظرًا لعوامل الجغرافيا، وضعف السيطرة، ووجود عناصر خارج إطار الدولة وأخرى مهربة تتقاسم النفوذ في المنطقة.

البعد الإقليمي: من سوريا إلى الخليج

قبل سقوط النظام، كانت سوريا توصف بأنها أكبر مصنع للمخدرات في الشرق الأوسط، واليوم، ما يزال المسار الذي يبدأ من معامل الكبتاغون، ويمر عبر الأردن، وصولًا إلى الأسواق الخليجية – لا سيما السعودية، أحد أبرز مسارات التهريب.

ويقول خبراء إن نشاط التهريب يتزايد في فصل الشتاء، حيث تمنح الظروف الجوية القاسية – ضباب، برد، تساقط ثلوج – المهربين فرصًا أفضل لتفادي المراقبة الجوية أو تكنولوجية الرصد.

تحديات السلطة الانتقالية

في مواجهة هذا الواقع، تبدو السلطة السورية الانتقالية في موقف حرج. فهي من جهة تسعى لبسط هيبة الدولة واستعادة السيطرة، ومن جهة أخرى تواجه تركة ثقيلة من الفساد والتواطؤ والتفكك الأمني. فالنجاح في وقف اقتصاد المخدرات لن يكون فقط عبر المداهمات والملاحقات، بل يحتاج إلى تفكيك الشبكات الاجتماعية والسياسية التي تحمي هذا الاقتصاد وتُشرعن استمراره.

الدولة العميقة أم الدولة الموازية؟

لم يعد سؤال المخدرات في سوريا مسألة جنائية فحسب، بل بات سياسيًا بامتياز.
فهذا النشاط المتشعب يفضح هشاشة الحدود، ويفرض على الحكومة الانتقالية مواجهة واقع مفاده أن جزءاً من الجغرافيا السورية ما يزال خارج السيطرة الفعلية، وتحت رحمة شبكات عنقودية من المهربين والمسلحين، و”أمراء” المال الأسود.

ولعل أخطر ما في هذه الصورة، هو أن اقتصاد الظل الذي نشأ برعاية النظام، لم يسقط معه، بل تسلل إلى مرحلة ما بعده… بوجه جديد.

 

إقرأ أيضاً: وزير الداخلية: ملتزمون بمواجهة المخدرات وننفذ حملات مكثفة لضبط شبكاتها

إقرأ أيضاً: لجنة الظل.. سوريا تعيد تشكيل اقتصادها سراً وشقيق الشرع يتولى المسؤولية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.