القامشلي: أزمة سكن خانقة… نصف البيوت فارغة، والأسعار بالملايين!

تعيش مدينة القامشلي، كبرى مدن محافظة الحسكة السورية، مفارقة غريبة في سوقها العقاري؛ فنصف منازلها تكاد تكون فارغة، بينما يكتظ النصف الآخر بالسكان، هذه الظاهرة تتزامن مع هجرة القرى المحيطة نحو المدينة واستقبالها لعشرات الآلاف من النازحين من داخل وخارج المحافظة، ما أدى إلى أزمة إسكان مركبة وغير متوازنة.

القامشلي، التي أصبحت العاصمة الاقتصادية والتجارية للإدارة الذاتية خلال العقد الماضي، شهدت طفرة عمرانية غير مسبوقة، خاصة بين عامي 2015 و2020، وعلى الرغم من هذه “الثورة” في بناء الوحدات السكنية، فإن الغالبية العظمى من سكانها لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء منازل جديدة، فبينما يرتفع مستوى المعيشة بشكل كبير للتجار والمتنفذين وطبقة رجال الأعمال المقربين من السلطة، يعيش معظم سكان شمال شرق سوريا، بمن فيهم سكان القامشلي، تحت خط الفقر. ومع ذلك، يشهد سوق العقارات ارتفاعاً “جنونياً” في الأسعار.

بعد هجوم القوات التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في أواخر عام 2019، شهدت أسعار الوحدات السكنية انخفاضاً نسبياً، ومع ذلك، تظل أسعار الأراضي والوحدات السكنية والتجارية، وحتى الإيجارات، مبالغ فيها بشكل كبير مقارنة بمدن سورية أخرى مثل دمشق، اللاذقية، طرطوس، وحتى حلب.

أسباب الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات والإيجارات

يعزو عمار دلف خلف، صاحب إحدى أنشط الشركات العقارية في القامشلي، هذا الارتفاع إلى عدة عوامل:

  1. ارتفاع تكاليف البناء والمعيشة: يشمل ذلك ارتفاع أسعار مواد الإكساء، أجور الأيدي العاملة، الزيادات المستمرة في أسعار الوقود، والضرائب والرسوم الجمركية المتصاعدة.
  2. الاستقرار السياسي النسبي: يلعب الاستقرار السياسي الذي تشهده المنطقة منذ سنوات دوراً رئيسياً. كذلك، فإن المفاوضات الأخيرة بين (قسد) ودمشق، ومؤشرات حل القضية الكردية في تركيا، وتوقف القتال في سد تشرين، كلها عوامل تزيد من جاذبية الاستثمار العقاري.
  3. إقبال المغتربين: يشكل إقبال أعداد كبيرة من مغتربي المنطقة المقيمين في أوروبا، وخاصة ألمانيا، على شراء العقارات سبباً غير تقليدي. فكثير منهم يعملون بطرق غير شرعية، مما يمنعهم من إيداع أموالهم في البنوك أو الاحتفاظ بها نقداً، فيلجؤون إلى شراء العقارات كوسيلة للحفاظ على هذه الأموال.
  4. الهجرة الداخلية: دفعت الظروف المعيشية الصعبة في ريف وبلدات الحسكة (مثل نقص المياه والكهرباء والخبز) عشرات الآلاف من القرويين إلى الهجرة نحو القامشلي، مما زاد الطلب على الإيجارات السكنية والتجارية.
  5. عزوف الملاك عن التأجير أو البيع: يمتلك آلاف المغتربين في أوروبا محلات وشققاً سكنية ويرفضون بيعها أو تأجيرها، ما يقلل من المعروض ويزيد من الأسعار.
  6. ارتفاع رسوم تراخيص البناء: يضطر مقاولون إلى استخراج رخصتين للبناء، واحدة من بلدية الإدارة الذاتية وأخرى من بلدية الدولة السورية، مما يزيد التكلفة الإجمالية للمشاريع ويرفع أسعار العقارات.

اقرأ أيضاً: عقارات سوريا في مهب الريح: انخفاض يتجاوز 40%

أرقام صادمة في سوق العقارات

توضح الأرقام الواقع الصادم في سوق العقارات بالقامشلي:

متوسط سعر الوحدة السكنية: يبلغ نحو 40 ألف دولار في الأحياء الشعبية.

شقة أرضية في شارع القوتلي: قد تسجل مليون دولار.

عقار متهالك في شارع القوتلي (1000 متر مربع): قد يتجاوز سعره 8 ملايين دولار.

أرض في حي الوسطى (500 متر مربع): تتجاوز مليون دولار.

مبنى تجاري في شارع “الوحدة العربية”: يطالب صاحبه بـ 5 ملايين دولار مقابل مشروع كلفته أقل من مليون دولار، مما أبقاه مغلقاً وغير مستثمر منذ أربع سنوات.

إيجارات الوحدات السكنية والتجارية المميزة: تصل إلى ألف دولار وربما ثلاثة آلاف دولار شهرياً، خاصة للمستأجرين من المنظمات الأجنبية والدولية.

مكاتب أو محلات تجارية أو عيادات (50 متراً مربعاً) في منطقة السوق: تصل أسعارها إلى 200 ألف دولار.

الأراضي المعدة للبناء في السوق: تصل إلى 3 آلاف دولار للمتر المربع الواحد.

محلات الصرافة والصاغة (15 متراً مربعاً): تصل أسعارها إلى 500 ألف دولار.

إيجار وحدة سكنية أو مؤسسة إعلامية في شارع السياحي: يصل إلى 3 آلاف دولار شهرياً بسبب تمركز المنظمات الدولية والصحفيين فيه.

إيجار مبنى مكون من ست شقق في شارع السياحي: يصل إيجاره الشهري إلى 18 ألف دولار.

إيجارات محلات الصرافة والصاغة: تصل إلى ألف دولار شهرياً للمحل الواحد بمساحة 15 متراً مربعاً.

دخل المواطنين لا يتوافق مع الأسعار

وفقاً لمعن الحميدي، مدير الشؤون القانونية والعقود في مجلس مدينة القامشلي، فإن هذه الأسعار لا تتوافق إطلاقاً مع مداخيل المواطنين:

رواتب موظفي الإدارة الذاتية: تتراوح بين 1.2 و1.5 مليون ليرة سورية (أقل من 150 دولاراً).

رواتب موظفي الدولة السورية: تقدر بنحو 500 ألف ليرة سورية (أقل من 50 دولاراً).

متوسط إيجار أي شقة أو دار سكنية: يتراوح بين 50 و150 دولاراً شهرياً.

هذه الفجوة الكبيرة بين الدخول وأسعار العقارات والإيجارات تجعل شراء أو استئجار منزل مناسب حلماً بعيد المنال للغالبية العظمى.

شقق شاغرة وعقبات أمام السكن المناسب

يشير الحميدي إلى أن هناك العديد من الشقق الجاهزة والشاغرة في القامشلي، ويقدر نسبة المنازل الفارغة بحوالي 30% وربما أكثر، يرجع سبب عدم تأجيرها إلى خشية أصحابها من التخريب أو عدم حاجتهم لقيمة الإيجار، خاصة إذا كانوا من المغتربين.

كما أن غالبية الشقق المعروضة حالياً هي في الطوابق العليا (الثالث والرابع وحتى الخامس)، بينما يفضل معظم المشترين الشقق الأرضية أو الطوابق الأولى أو الثانية، مما يقلل من الخيارات المتاحة للسكن الملائم، خاصة لكبار السن.

يعكس واقع موظف حكومي مثل نبيل خليل، الذي يعيش مع عائلته في ملحق بالطابق الخامس ويتمنى الانتقال إلى طابق أقل ارتفاعاً، مأساة الكثيرين في القامشلي. فمع راتبه الذي يقل عن 50 دولاراً، وقيمة شقته المعروضة للبيع بأقل من 20 ألف دولار، بينما يتطلب شراء شقة في الطابق الأول من نفس المبنى 40 ألف دولار، يبدو تحقيق هذا الحلم مستحيلاً.

هل تعتقد أن التدخل الحكومي بتحديد أسعار الإيجارات، رغم عدم الالتزام به، يمكن أن يكون له أثر إيجابي على المدى الطويل في حل هذه الأزمة؟

 

اقرأ أيضاً: وزارة الصناعة تحدد أسعار الأراضي في المدن الصناعية السورية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

 

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.