السويداء بين نفي الحصار وتأكيد المعاناة.. من يقطع شريان الحياة؟
بينما تعيش محافظة السويداء حالة من التوتر الإنساني والمعيشي منذ منتصف تموز/يوليو الجاري، تتباين الروايات حول الجهة المسؤولة عن تقييد الحركة التجارية ومنع دخول الإمدادات، وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة السورية والجهات المسيطرة داخل المدينة، في مقدمتها الزعامة الروحية للشيخ حكمت الهجري والمجلس العسكري الموالي له.
ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة أميركية، تتواصل حالة الغموض بشأن ما إذا كانت المدينة خاضعة لحصار فعلي من الخارج، أو أن الأزمة تنبع من الداخل بفعل سوء توزيع المساعدات وغياب الحركة التجارية المعتادة.
الحكومة تنفي والطرقات مغلقة
المسؤولون السوريون ينفون وجود أي حصار مفروض على السويداء. محافظ المدينة مصطفى بكور أكد، مؤخراً، أن قوافل المساعدات الإنسانية تدخل يومياً من جهة بصرى الشام، وأن المخابز تعمل بكامل طاقتها لتأمين الخبز. كما شددت الجهات الحكومية على أن لا عوائق في الطرقات المؤدية إلى السويداء، لا سيما من ناحية دمشق.
لكن مصادر محلية وناشطين داخل المدينة يشيرون إلى واقع مغاير. فالحركة التجارية، بحسب مدير شبكة “السويداء 24” ريان معروف، متوقفة منذ 13 تموز، وتوجد حواجز أمنية على جميع الطرق المؤدية إلى المدينة، من ضمنها طريق دمشق-السويداء، الذي تسيطر عليه مجموعات تُعرف باسم “جيش العشائر”، وتمنع دخول التجار والمواد التموينية.
ويقول معروف إن المحاولات الأخيرة لإدخال شحنات تجارية باءت بالفشل، ما فاقم الأزمة المعيشية، مع شح حاد في المواد الغذائية وصعوبة بالغة في الحصول على الخبز، في حين اختفت الخضروات والفواكه من الأسواق.
اتهامات داخلية بتسييس المساعدات
في مقابل نفي دمشق، تصاعدت اتهامات من داخل السويداء تتحدث عن “حصار عقابي” تمارسه الحكومة السورية، بهدف الضغط السياسي. ويتهم ناشطون المجلس العسكري التابع للهجري باحتكار قوافل المساعدات وتوزيعها على فئة محدودة مرتبطة به، ومنع دخول بعض المنظمات والجهات غير المرغوب بها.
وذهبت بعض الأصوات إلى المطالبة بفتح معبر إنساني مع الأردن أو مع مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، وهو ما اعتبرته الحكومة محاولة لفرض أمر واقع جديد، والسير في اتجاه “الحكم الذاتي”، كما نُقل عن مسؤول حكومي قوله إن المجلس العسكري يطالب بمنطقة حظر جوي ومعبر حدودي خاص، مع اتهامات له بالاستيلاء على مساعدات موجّهة للمدنيين.
حواجز الخوف بين الطرفين
مصدر إعلامي مقرب من الحكومة نفى وجود قرارات رسمية بمنع القوافل أو التجار، واعتبر أن سبب توقف النشاط التجاري هو “الخوف المتبادل”، فالتجار داخل السويداء يخشون الخروج، والتجار من درعا أو دمشق يمتنعون عن الدخول، خشية تعرضهم للنهب أو مصادرة البضائع.
في الوقت ذاته، لا تزال قوافل المساعدات الإنسانية، لا سيما التابعة للهلال الأحمر، تصل إلى المدينة بشكل منتظم، لكنها تبقى غير كافية لتلبية احتياجات السكان في ظل انعدام البدائل التجارية.
ما بين المساعدات والحصار الاقتصادي
في المحصلة، تبدو السويداء عالقة بين مشهدين متناقضين: رواية حكومية تنفي وجود حصار وتؤكد إيصال المساعدات، ورواية محلية ترى في تلك المساعدات حلاً جزئياً لا يُغني عن الحركة التجارية التي تشكّل شريان الحياة.
ووسط غياب جهة قادرة على ضبط الوضع بشكل شامل، تستمر معاناة آلاف المدنيين، في انتظار تسوية تنهي حالة الانقسام وتعيد فتح الطرق أمام الغذاء والدواء دون وسطاء أو معارك سرديات.
إقرأ أيضاً: دستور من رماد: كيف مهد الغياب السياسي لمجازر السويداء والساحل
إقرأ أيضاً: هل انتهى شهر العسل بين دمشق وواشنطن؟