يتفق ضامنو “مسار أستانا” على ضرورة فتح الطرقات الأساسية خاصة الطريق M4، في الجزء الذي يمر ضمن محافظة إدلب، ورغم أن الحكومة التركية قدمت خلال جلسات المسار المذكور حتى آخرها تعهدات بدفع عملية فتح الطريق، إلا أنها لم تكن قادرة حتى اللحظة على تنفيذ هذه التعهدات، والمشكلة ليست فقط بموقف الفصائل الموالية لأنقرة ولا حتى تنظيم جبهة النصرة نفسه وحسب، بل تتمركز أيضاً بعدم تجاوب تنظيم “الحزب الإسلامي التركستاني” الإرهابي، مع أي طرح سياسي لحل مسألة شمال غرب سورية، فالحلول لا تعنيه ولا يمكن أن ترضي قادة هذا الفصيل تحديداً، بكونه مشكلاً من مقاتلين من أقلية “الإيغور” الصينية التي تجد في إنهاء الحرب داخل سورية خسارة كبيرة لها.
ورقة تعطيل:
ينتشر “الإيغور” في مدينة “جسر الشغور” ذات الموقع الحيوي في حسابات الطريق M4، وإخراج مقاتلي هذه الأقلية من محيط الطريق بالوسائل السلمية عملية شبه مستحيلة، إذ أن منحهم مناطق بديلة شمالاً مسألة مرفوضة من حلفاء “النصرة”، وخصومها من التنظيمات المتشددة وفصائل ما يسمى “الجيش التركي“، ويُشكل مقاتلو هذه الأقلية العصا التي يهدد زعيم النصرة “أبو محمد الجولاني” خصومه إذا ما فكروا بالانقلاب عليه، ويعد “الإيغور” لاعبو دور الوساطة بين “الجولاني”، ومنافسيه من رافضي الانفكاك عن تنظيم القاعدة من جهة، وخصومه الموالين لتنظيم داعش على أساس مبدأ “أخوة الجهاد”، وقد تمكن مقاتلو هذه الأقلية من قلب موازين القوى في الشمال لصالح “النصرة”، في أكثر من مناسبة خلت، ولا يبدو أن “الجولاني”، مستعد لاستعدائهم.
ويعد “الإيغور” النقطة المركزية في الحسابات التركية، فإن ذهبت دمشق وحلفاؤها نحو عملية عسكرية بعد فشل الأتراك في تنفيذ تعهداتهم، فالسؤال في أنقرة يركز على الجغرافية التي ستنسحب نحوها الأقلية ذات الأصول الصينية، وتحول الجنوب التركي لمنطقة استقرار دائم لهؤلاء هو أكثر ما يؤرق حكومة رجب طيب إردوغان، وذلك لأن مثل هذه الخطوة ستعني بالضرورة تحول الجنوب التركي ولو بجزء منه إلى بؤرة إنتاج تنظيمات متطرفة، ولأن الإيغور يعتبرون الخروج من سورية مستحيلاً لانعدام إمكانية دخولهم الأراضي الصينية بدون محاسبة قانونية لقتالهم ضمن صفوف تنظيمات متطرفة، فلا خيارات أمامهم إلا العودة إلى أفغانستان التي جاء غالبية “الإيغور” المتواجدين في سورية منها، ولا تبدو رحلة العودة للبلد المشتعل بالحروب الطائفية عملية سهلة أيضاً، والبقاء في سورية لأطول فترة ممكنة هو خيار زعامات هذه الأقلية حالياً، وعليه فإنها ملزمة بتعطيل أي حل سياسي، والقتال في حال العسكرة.
ولا يبدو أن مسألة طرح ملف هذه الأقلية على طاولة السياسة مستبعد، وقد تجد فيه واشنطن ورقة ابتزاز سياسي لجمهورية الصين حين اللزوم، وستكون ورقة تعطيل للحلول في سورية، فالسؤال الذي سيُطرح “ما مصير الإيغور؟ وما هي ضمانات عدم محاسبتهم من قبل الصين؟ وذلك رغم أن كل “الإيغور” المتواجدين في سورية متورطون بالحرب، ومقاتلون ضمن تنظيمات موضوعة على اللائحة السوداء، لكن الابتزاز السياسي بتحويلهم لورقة ضغط سيكون واحداً من أبرز الأوراق التي ستطرحها واشنطن عند خواتيم الأزمة السورية.
التقديرات:
تشير التقديرات لوجود نحو ٨٠٠٠ مقاتل من الإيغور في مناطق الشمال، ترافقهم عوائلهم، وينتشرون في “جسر الشغور” ومنطقة “جبل السماق”، التي تحتوي على عدد من القرى التي أُجبر سكانها على التحول من مذهب “الموحدين الدروز”، إلى ممارسة السلفية في مقابل الإبقاء على حياتهم إثر مجازر متعددة، ويعود ظهور الإيغور في سورية لبدايات العام ٢٠١٥ وانقسم وجودهم آنذاك على اثنين، الأول في إدلب لصالح تنظيم “جبهة النصرة” والثاني في الرقة ومن ثم ريف دير الزور لصالح تنظيم “داعش”، وتشير تقارير إعلامية دولية إلى أن غالبية الإيغور المتواجدين في سورية وصلوا إليها بتسهيلات دولية خاصة من تركية قادمين من أفغانستان، التي كانوا يعيشون فيها ضمن مناطق تخضع لسيطرة تنظيم القاعدة أو حركة طالبان، وقد سبق لغالبية من وصلوا سورية في ذلك الوقت أن قاتل في أفغانستان، وشكّل وجودهم عقدة ميدانية نظراً لكون عدد كبير منهم مدرّب على تنفيذ العمليات الانتحارية.
وشهد ملف “الإيغور” في سورية اهتماماً من وسائل الإعلام مع بداية ظهورهم في البلاد التي أُشعلت فيها الحرب في العام ٢٠١١، وكانت التقديرات الأولية تشير لوجود ٥٠٠٠ مقاتل فقط، لكن العدد ارتفع بفعل تجنيد الأطفال، وتقول معلومات متقاطعة أن “مخيم الهول” بريف الحسكة الشرقي يحتوي على عدد ليس بالقليل من نساء وأطفال الإيغور، لكن هذه الأقلية غابت عن تقارير وسائل الإعلام منذ فترة طويلة رغم مركزية دورها المعطل لأي حل شمال غرب سورية.