أزمة الإيجارات تخنق دير الزور بين أنقاض الحرب وغياب الحكومة

تشهد مدينة دير الزور شرق سوريا أزمة خانقة في سوق الإيجارات، تعكس عمق التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه السكان، إذ تواصل أسعار المنازل ارتفاعها بشكل غير مسبوق، مثقلة كاهل الأهالي ومهددة لاستقرارهم المعيشي.

 

سوق سكني في ورطة

وتعود جذور هذه الأزمة، بحسب مصادر محلية تحدثت لـ “القدس العربي”، إلى سلسلة عوامل مترابطة، أبرزها الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتية السكنية خلال سنوات الحرب.

الناشط الميداني مؤيد مروان، وهو من أبناء المدينة، أوضح أن نسباً كبيرة من الوحدات السكنية دمرت كلياً أو جزئياً، وأن أحياء بأكملها مثل الحميدية، الشيخ ياسين، الصناعة، والحويقة تحولت إلى أنقاض، ما دفع الأهالي إلى التزاحم في مناطق أقل تضرراً مثل الجورة والقصور والموظفين.

هذا التزاحم، بحسب مروان، تزامن مع عودة تدريجية للنازحين، ما تسبب بضغط هائل على المعروض القليل أصلاً من المساكن القابلة للسكن.

 

معاناة يومية وواقع لا يُحتمل

يعاني السكان من تداعيات هذه الأزمة بشكل مباشر.

يقول أحمد العلي، موظف حكومي يعيل ثلاثة أطفال: “راتبي 400 ألف ليرة، أي حوالي 40 دولاراً، بينما إيجار شقة متواضعة يصل إلى 1.5 مليون ليرة، ما يعادل 150 دولاراً. نعيش حالياً مع أقارب في منزل صغير، وهذا ليس حلاً دائماً”.

أما السيدة فاطمة المحمد، عادت مؤخراً إلى دير الزور بعد سنوات من النزوح، فتقول: “عدنا لنتفاجأ باستغلال لا يُطاق. لا أستطيع تحمل تكاليف السكن، فالمبالغ التي يطلبها الملاك تضاهي أسعار الإيجارات في أوروبا”.

 

الوسطاء: الإيجارات سوق يُحدده العرض والطلب

من جانبه، يبرر خالد الحسن، صاحب مكتب عقاري في دير الزور، ارتفاع الأسعار بندرة المعروض. يقول: “أحياء كاملة لم يُعد إعمارها بعد، والطلب يفوق العرض بأضعاف. نحن لا نحدد الأسعار، بل نعكس واقع السوق ورغبة المالك”.

ويضيف: “صحيح أن بعض الملاك يستغلون الظرف، لكنهم يعتبرون رفع الأسعار تعويضاً عن سنوات الخسارة، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الترميم”.

 

غياب التشريعات… وغياب الدولة

تؤكد مصادر أهلية أن تداعيات الأزمة لا تقتصر على الأعباء المالية، بل تشمل تهديد الاستقرار الأسري وتعطيل عودة الحياة الطبيعية إلى المدينة.

الفجوة الكبيرة بين الدخل وتكاليف الإيجار تدفع شريحة واسعة من السكان نحو الفقر والتشرد، خاصة مع غياب سياسات حكومية لتنظيم القطاع العقاري أو دعم الإسكان المؤقت، بحسب الناشط الميداني مؤيد مروان.

ويطالب الأهالي بتدخل عاجل يشمل مشاريع سكن اجتماعي، تسريع إعادة الإعمار، فرض رقابة على السوق، ومنع الاحتكار، إضافة إلى تقديم دعم خاص للنازحين العائدين والفئات الأكثر هشاشة.

 

بادرة مالية… ولكن!

في سياق آخر، أصدر وزير المالية محمد يسر برنية قراراً بإلغاء ضريبة البيوع العقارية في حال العدول عن البيع وعدم إتمامه، بموافقة الطرفين، وهو ما عُدّ بادرة لتسهيل الإجراءات.

وبحسب وكالة “سانا”، فإن القرار يتيح للمواطنين التراجع عن البيع دون أعباء ضريبية إذا لم يتم تسجيل العقار رسمياً، شريطة تقديم إقرار خطي من الطرفين.

ويرى مراقبون أن هذا الإجراء، وإن كان إيجابياً، لا يلامس جوهر أزمة السكن، بل يبقى في إطار تحسين الإجراءات الشكلية.

 

أزمة تتجاوز العقارات

يرى الناشط مؤيد مروان أن أزمة الإيجارات في دير الزور هي صورة مصغرة عن التحديات الأوسع التي تواجه المدينة بعد الحرب.

ويحذر من أن ترك هذه الأزمة دون معالجة جذرية قد يجعلها واحدة من أبرز العقبات أمام تعافي المدينة وعودة أهلها إلى حياة كريمة وآمنة.

البيوت في دير الزور لم تعد فقط مأوى مفقوداً، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس عمق التشظي السوري، بين مواطن يحلم بسقف وكرامة، وسوق عقاري لا يعترف إلا بلغة العرض والطلب.

 

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.