داما بوست- خاص:
هل تغرق الولايات المتحدة في مستنقع الحرب الأهلية، وهل تطلق تكساس تلك الشرارة؟.. سؤال بات يتردد داخل الولايات المتحدة وخارجها، المفارقة القوية والتي لها من الدلالة ما يثير الانتباه، أنه في الوقت الذي تستعر فيه نار الخلاف بين الحكومة الفدرالية الأميركية من جهة، وحاكم ولاية تكساس من جهة أخرى على خلفية قضية الهجرة غير النظامية، يستعد صناع فيلم “الحرب الأهلية ” الأميركي لعرضه في الأسبوع الثاني من نيسان 2024.
تاريخ الولايات المتحدة حافل بالقلاقل والحروب الداخلية التي تجدث على خلفيات التمييز العنصري ومشاكل الهجرة، وتحاول حكومة تكساس إغلاق نقاط الدخول عبر تثبيت أسلاك شائكة، بينما ترفض إدارة الرئيس جو بايدن الأمر، مما أدى إلى خلافات شديدة، دفعت بالحاكم إلى التلويح باستقلال الولاية الغنية بمواردها عن الولايات المتحدة.
والحقيقة أن مطالبات ولاية تكساس الأمريكية بالانفصال عن الولايات المتحدة تمثل تهديداً حقيقياً للأمن الداخلي، حيث تتسرب مخاوف لدى الأمريكيين من اندلاع حرب أهلية بعد أن لاقى هذا الطرح تأييداً من 25 حاكماً لولايات أخرى.
والمثير في الموضوع أن مطالبات تكساس بالانفصال أخذت مساحة واسعة في وسائل الإعلام وبين الأوساط السياسية والشعبية في الولايات المتحدة.
وإذا عدنا في التاريخ للوراء نرى تكساس جزءاً من المكسيك على الخارطة قبل أن تعلن استقلالها في عام 1836، لتصبح جمهورية تكساس، أي دولة مستقلة، ثم انضمت تكساس إلى الولايات المتحدة في عام 1845، ولكنها انفصلت عنها في عام 1861 لتنضم إلى الكونفدرالية الأمريكية خلال الحرب الأهلية.
وأعيدت تكساس إلى الاتحاد في عام 1870، ولكنها استمرت في الحفاظ على هويتها (التكساسية) المميزة، وتطالب تكساس بالانفصال عن الولايات المتحدة منذ أمد بعيد لأسباب سياسية واقتصادية وثقافية، وليس مشاكل الحدود والهجرة والخلاف عليها مع الإدارات الأمريكية هي السبب الوحيد.
والذي يشجع تكساس على الانفصال هو أن الدستور الأمريكي لا يحظر الانفصال، لكنه يعتبره غير قانوني بناء على قرار المحكمة العليا في عام 1869، ويواجه الانفصال تحديات عملية كبيرة، مثل الحصول على اعتراف دولي وإنشاء نظام مالي ودفاعي مستقل.
الحزب الجمهوري في تكساس طالب بإجراء استفتاء على الانفصال في عام 2023، ولكن لم يحصل على دعم كاف من المجلس التشريعي.
وتعاني تكساس هذه الأيام من توتر مع الرئيس جو بايدن بسبب سياسته تجاه الهجرة غير الشرعية، وترفض إزالة الحواجز التي بنتها على الحدود مع المكسيك.
احتمال أن تبدأ تكساس حرباً أهلية جديدة في الولايات المتحدة أمر وارد جداً في ضوء الاحتقان الحاصل، بين الولاية وإدارة الرئيس بايدن، وخاض حاكم ولاية تكساس، غريغ أبوت، معارك قانونية متعددة مع وزارة العدل بشأن أساليبه الرادعة للمهاجرين. وبينما تواجه الولايات المتحدة ارتفاعاً في عمليات العبور الحدودية غير القانونية، حاول أبوت صد المهاجرين، باستخدام الأسلاك الشائكة على طول أجزاء من الحدود الجنوبية وحاجز دائري عائم في نهر ريو غراندي، ووصفت إدارة بايدن هذه التكتيكات بأنها “خطيرة وقاسية”.
والخطير في الأمر ما صرح به حاكم ولاية تكساس بقوله “من حق الدولة في الدفاع عن النفس” ضد المهاجرين الذين يعبرون الحدود، ووقع حكام جمهوريون من 25 ولاية أخرى على خطاب يعربون فيه عن دعمهم لتكساس ما أثار مخاوف متجددة لدى الكثيرين بشأن حرب أهلية أمريكية جديدة.
العديد من الشخصيات الإعلامية المحافظة، بما في ذلك أمثال تيرينس ويليامز، وكارمين سابيا، وغراهام ألين، حذروا من أن الحرب الأهلية قد تحدث قريباً، لكنهم ألقوا باللوم على الرئيس جو بايدن.
وتتزايد المخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة في بعد إرسال عدد من الولايات التي يديرها الحزب الجمهوري قوات من الحرس الوطني إلى ولاية تكساس لمواجهة مشكلة المهاجرين على الحدود، وذلك في تحد واضح لإدارة الرئيس بايدن.
وبالمقاربة لما بدأنا به مقالنا نجد أنه في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية عام 2016، صدرت سلسلة “الولايات المنقسمة الأميركية”، وهي سلسلة وثائقية تتميز بسرديات حول عدم المساواة في التعليم والإسكان والرعاية الصحية والعمل والعدالة الجنائية والمساواة بين الجنسين والنظام السياسي.
ويمزج صناع العمل هذا الواقع، بخيال يعيش في حالة رعب على أميركا المستقبلية التي يمزقها الانقسام السياسي والاجتماعي، مما يؤدي إلى اندلاع صراع أهلي، ورغم أن الفيلم خيالي، فإنه يقدم صورة قاتمة لعواقب الاستقطاب الشديد والتطرف الأيديولوجي.
ولا أحد ينسى ما عرف بالمأساة الكبرى في التاريخ الأميركي، المتمثل بالحرب الأهلية (12 نيسان 1861-9 نيسان 1865) التي نشبت بين ولايات الشمال وولايات الجنوب حول الاتحاد، وكانت تلك الحرب انطلقت من تكساس، وما زاد الرعب من تكرارها هو تأييد 25 ولاية أميركية لدعوة حاكمها.