لماذا خرجت تظاهرات الساحل السوري؟
شهدت مدينة اللاذقية، الأحد، تصعيداً أمنياً لافتاً تزامن مع تظاهرات احتجاجية خرجت في عدد من مدن الساحل السوري، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، بينهم ثلاثة متظاهرين وعنصر من قوى الأمن العام، إضافة إلى إصابة العشرات، وفق حصيلة أولية أعلنتها جهات رسمية.
وجاءت هذه التطورات في أعقاب تفجير استهدف مسجداً في حي ذي غالبية علوية بمدينة حمص، وأسفر عن استشهاد ثمانية أشخاص، ما أعاد إلى الواجهة حالة التوتر الأمني والاجتماعي التي تعيشها مناطق الساحل منذ سقوط نظام بشار الأسد، ولا سيما في ظل تصاعد الاتهامات المتبادلة بين الحكومة السورية الانتقالية ونشطاء محليين حول المسؤولية عما جرى.
روايتان متقابلتان حول العنف
اتهمت الحكومة السورية الانتقالية مجموعات وصفتها بـ”فلول النظام السابق”، من بينها “سرايا درع الساحل” و”سرايا الجواد”، بالوقوف وراء إطلاق النار على المتظاهرين وعناصر الأمن العام، في محاولة لزعزعة الاستقرار وإعادة الفوضى إلى المنطقة.
في المقابل، أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” وعدد من نشطاء الساحل بأن عناصر تابعة للحكومة أطلقت الرصاص على تجمعات المحتجين، ونفذت محاولات دهس بحقهم، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وسط غياب رواية رسمية تفصيلية توضح تسلسل الأحداث بشكل كامل.
فشل سياسي وأمني متراكم
وترى الناشطة والصحفية من الساحل السوري، هنادي زحلوط، أن ما شهدته اللاذقية يعكس فشلاً سياسياً وأمنياً متراكماً، لا يمكن فصله عن طريقة إدارة المرحلة الانتقالية. وأشارت إلى انتشار مجموعات وصفتها بـ”الزعران” في شوارع المدينة، يحملون السكاكين ويجوبون الأحياء بهدف الاستفزاز، في وقت ترافقت فيه التوترات مع دعوات إلى الإضراب.
وأكدت زحلوط أن حق التظاهر مكفول، وأن واجب السلطات هو حماية المتظاهرين لا التضييق عليهم، محمّلة الجهات الحاكمة المسؤولية الأساسية عن تدهور الأوضاع، بسبب غياب حوار وطني شامل يضم شخصيات وأحزاباً وكيانات اجتماعية وسياسية ذات مصداقية.
وانتقدت اعتماد الإدارة الجديدة على شخصيات من النظام السابق، مثل فادي صقر، في ما يُطرح كمسار لتحقيق “السلم الأهلي”، معتبرة أن هذا النهج يقوّض الثقة ويفتح الباب أمام مزيد من الفوضى.
العدالة الانتقالية الغائبة
وسلّطت زحلوط الضوء على تعثر مسار العدالة الانتقالية منذ آذار/مارس 2011 وحتى اليوم، معتبرة أن هذا الفشل ساهم بشكل مباشر في تعميق الانقسام المجتمعي. كما انتقدت عدم حماية السجون بوصفها “مسارح جريمة”، وعدم الكشف عن مصير مئات آلاف المعتقلين، إلى جانب التعامل مع النازحين باعتبارهم عبئاً اجتماعياً واستخدام أبنائهم في الصراعات السياسية والأمنية.
كما حمّلت السلطات مسؤولية ما وصفته بعدم حماية المدنيين خلال أحداث آذار/مارس الماضي، التي شهدت مجازر واسعة في الساحل، ومنع عمليات التشييع والدفن، مؤكدة أن المسؤولية السياسية والأخلاقية عمّا جرى تقع على عاتق الجهات الحاكمة.
احتكار السلطة وتآكل مفهوم الدولة
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي والناشط المدني، أنس جودة، أن التدهور الأمني والسياسي في سوريا هو نتيجة “مزيج خطير من المكابرة والاستخفاف”، مشيراً إلى أن السلطة الحالية تتعامل مع الدولة وكأنها مفصّلة على مقاسها، في حين أن قدرتها على إدارة البلاد باتت موضع شك.
وأضاف أن الإصرار على احتكار الحكم ورفض الشراكة مع قوى سياسية ومجتمعية أخرى لا يمثل خطأ سياسياً فحسب، بل ينعكس مباشرة على أمن الناس وحياتهم اليومية، داعياً إلى مقاربة موضوعية للملف الأمني بعيداً عن الاصطفافات.
واقترح جودة بناء منظومات “أمن محلي” قائمة على الشراكة مع المجتمعات المحلية، بوصفها إجراءً تقنياً لحماية المدنيين، لا يحمل دلالات سياسية ولا يستهدف مواجهة السلطة، مؤكداً أن حكم سوريا أو إنقاذها دون شراكة وطنية حقيقية بات أمراً مستحيلاً.
احتجاجات في سياق تحريض وانتهاكات
بدورها، ربطت الباحثة والناشطة في قضايا النساء وحقوق الإنسان، أمل حميدوش، خروج التظاهرات بسياق أوسع من حادثة تفجير المسجد في حمص، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس تراكم الانتهاكات التي تعرّض لها العلويون خلال العام الماضي.
وأشارت إلى ما وصفته بانتهاكات جسيمة وموثقة، من بينها القتل والتصفية العشوائية في أرياف حماة وحمص والساحل، ومجازر جماعية وقعت في آذار/مارس وأسفرت عن مقتل أكثر من 1500 شخص خلال أيام قليلة دون محاسبة، إضافة إلى التحريض العلني على قتل العلويين، والاستيلاء على المنازل وتهجير قرى كاملة، وخطف نساء دون مساءلة.
كما لفتت إلى الفصل الجماعي من الوظائف، والاعتقالات التعسفية، وحالات الابتزاز والترهيب تحت ذريعة “ملاحقة الفلول”، معتبرة أن إنكار هذه المظالم أو تبريرها عبر اتهام مجتمع كامل بالعمالة لا يسهم في التهدئة، بل يؤدي إلى تفاقم الاحتقان. وختمت بالتأكيد أن المطالبة بالكرامة والأمان والعدالة ليست خيانة، وأن رفض الصمت ليس جريمة.
حصيلة رسمية وتوسّع رقعة الاحتجاج
وأعلنت “وزارة الصحة” في الحكومة السورية الانتقالية تسجيل 108 إصابات في محافظة اللاذقية، بينها إصابات ناجمة عن أعيرة نارية وسلاح أبيض وحجارة. وفي وقت لاحق، قالت قوى الأمن الداخلي إنها أعادت الهدوء إلى شوارع المدينة وبسطت الأمن فيها.
وفي السياق ذاته، شهدت محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، الأحد، تظاهرات احتجاجية دعا إليها رئيس المجلس العلوي الأعلى، الشيخ غزال غزال، رُفعت خلالها شعارات تطالب بـ”الفدرالية” و”حق تقرير المصير” والإفراج عن المعتقلين، وذلك عقب تفجير مسجد حمص.
وكانت مجازر الساحل في آذار/مارس الماضي قد أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص من أبناء الطائفة العلوية، في أحداث نُسبت إلى قوات تابعة للحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، عقب سقوط نظام بشار الأسد، في واحدة من أكثر المحطات دموية خلال المرحلة الانتقالية.
اقرأ أيضاً:هدوء حذر في الساحل السوري بعد احتجاجات دعا إليها الشيخ غزال غزال وانتشار أمني واسع