مفاوضات دمشق و«قسد» عند مفترق طرق: تقدم عسكري وجمود سياسي يهدد مستقبل الاتفاق

تمر مفاوضات الحكومة السورية الانتقالية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بمرحلة شديدة الحساسية، ففي الوقت الذي يشهد فيه المسار العسكري والأمني تقدمًا ملموسًا، لا تزال الملفات السياسية والدستورية عالقة دون اختراق حقيقي، ما يثير مخاوف متزايدة بشأن استدامة الاتفاق وقدرته على منع عودة الصراع في سوريا.

تركيز على الدمج العسكري وإرجاء الملفات السياسية:

وبحسب مصادر خاصة لموقع «الحل نت»، انصبت جولات التفاوض الأخيرة على ترتيبات أمنية وعسكرية، أبرزها دمج قوات قسد ضمن الجيش السوري على شكل ثلاث فرق عسكرية وألوية، إضافة إلى إدارة المعابر الحدودية، في مؤشر على سعي دمشق إلى حسم الملف الأمني أولًا، مع تأجيل القضايا السياسية والدستورية إلى مراحل لاحقة من العام المقبل.

مظلوم عبدي: تفاهم في الجانب الأمني:

وتعززت هذه المؤشرات بتصريحات القائد العام لقوات قسد، الجنرال مظلوم عبدي، الذي أكد وجود صيغة تفاهم مشتركة بشأن ملفات الدمج العسكري والأمني، بهدف تعزيز الاستقرار ومواصلة مكافحة الإرهاب ومنع عودة تنظيم “داعش”.

اتفاق عسكري مرتقب وسط خلافات جوهرية:

وتسعى دمشق، وفق مصادر مطلعة، إلى استعادة السيطرة على المؤسسات الحكومية والمعابر الحدودية وملف النفط، وهي ملفات وصفها عبدي بأنها ملك للشعب السوري ويجب إدارتها وتوزيعها بعدالة بين جميع السوريين.

غير أن مصادر مقربة من قسد والإدارة الذاتية ترى أن هذا التقدم لا يعكس إرادة سياسية حقيقية للتوصل إلى اتفاق شامل، بل يشير إلى أولوية تفكيك أو إعادة هيكلة القوة العسكرية لقسد، عبر دمجها تدريجيًا في تشكيلات أصغر ضمن الجيش السوري.

مقترح دمج قسد في الجيش السوري:

وكشفت صحيفة «القدس العربي» أن وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية قدمت مقترحًا يقضي بتشكيل ثلاث فرق عسكرية في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، تضم كل فرقة نحو 5 آلاف مقاتل، أي ما مجموعه 15 ألف مقاتل.

ولم يتضمن المقترح أي توضيح بشأن وحدات حماية المرأة (YPJ) أو قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، وإمكانية ضمها إلى وزارة الداخلية.

خلاف حول حجم القوات والتمثيل العسكري:

في المقابل، ترى قسد أن هذا الطرح يقلّص حجمها بشكل كبير، إذ تؤكد أن عدد مقاتليها يتجاوز 100 ألف عنصر، وأن الفرقة العسكرية كانت تُقدّر سابقًا بنحو 20 ألف مقاتل، ما يجعل حجم القوات إحدى أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين.

الخلاف حول النفط والحدود والإدارة المحلية:

وبحسب ما أوردته «القدس العربي»، أرفق وزير الدفاع مرهف أبو قصرة المقترح بملحق يؤكد أن الحدود والثروات الباطنية قضايا سيادية يجب أن تُدار حصريًا من قبل السلطة المركزية في دمشق، مطالبًا بتسليم المعابر وملف النفط وإنهاء الإدارة المحلية الحالية.

في المقابل، قدّمت قسد ردًا رحّبت فيه بمبدأ تشكيل الفرق العسكرية، لكنها اشترطت:

1- إنشاء ثلاثة ألوية مستقلة (حماية المرأة، مكافحة الإرهاب، حرس الحدود)

2- تمثيل قسد في هيئة الأركان عبر ضم 35 ضابطا

3- تعيين نائب لوزير الدفاع للمنطقة الشرقية

كما رفضت تسليم ملف الحدود بصيغته المطروحة، واقترحت دوريات مشتركة بإشراف وزارة الدفاع، وربط تحركات القوات بموافقة “التحالف الدولي”.

غياب الحل السياسي والتمسك باللامركزية:

وترى قسد أن ملفات النفط والإدارة المحلية وتسليم المؤسسات يجب أن تُعالج ضمن مسار سياسي ودستوري شامل، قائم على اللامركزية وضمان إدارة أبناء المنطقة لشؤونهم، وليس ضمن اتفاق عسكري فقط.

وتشير مصادر مقربة من الإدارة الذاتية إلى غياب الجدية السياسية لدى دمشق في تنفيذ بنود اتفاق العاشر من آذار، خاصة ما يتعلق بـ ضمان الحقوق الكردية، والتمثيل الدستوري، وشكل الحكم في سوريا.

مخاوف من اتفاق أمني هش:

ويرى مراقبون أن إصرار الحكومة الانتقالية على تجزئة الاتفاق والتركيز على الشق العسكري دون تقديم ضمانات سياسية واضحة، قد يؤدي إلى تعثر الاتفاق أو انهياره لاحقًا، ويعيد إنتاج المركزية الشديدة التي كانت من أسباب اندلاع الأزمة السورية.

مظلوم عبدي: لا عودة للحل العسكري:

وفي كلمة له بمدينة الطبقة، أكد مظلوم عبدي أن اتفاق العاشر من آذار لا يتضمن إطارًا زمنيًا ملزمًا، ولا يعني العودة إلى الحلول العسكرية، مشددًا على أن الحوار مع دمشق مستمر رغم الخروقات.

كما جدد تمسكه بـ اللامركزية كخيار ضروري لاستقرار سوريا، محذرًا من أن فشل المفاوضات سيضر بجميع السوريين، ويخلق بيئة مناسبة لعودة تنظيم “داعش”.

مستقبل الاتفاق: شراكة سياسية أم صراع جديد؟

في ضوء المعطيات الحالية، يقف اتفاق دمشق و«قسد» أمام خيارين:

التحول إلى اتفاق وطني شامل يعالج شكل الدولة، والتمثيل السياسي، وتوزيع السلطة والثروة

أو البقاء اتفاقًا أمنيًا هشًا قابلًا للانهيار، بما قد يعيد سوريا إلى دوامة الصراعات ويهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي

إقرأ أيضاً: شبكة أنفاق وترسانة عسكرية: حجم قدرات قسد في أحياء حلب شمالاً

إقرأ أيضاً: دمشق تشكك بجدية تنفيذ اتفاق آذار مع “قسد” وسط غياب خطوات عملية

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.