قطع الغيار المقلدة في سوريا: سوق مفتوحة ومخاطر متعددة

تشهد أسواق السيارات في سوريا تصاعدًا مقلقًا في انتشار قطع الغيار المقلدة، ولا سيما زيوت المحركات والشحوم المعدنية، في ظاهرة لم تعد تقتصر على الجانب التجاري فحسب، بل باتت تمس بشكل مباشر معايير السلامة الفنية والأمان على الطرقات، وتضيف أعباء مالية متزايدة على المستهلكين.

ومع الانفتاح الاقتصادي النسبي الذي تشهده البلاد، دخلت إلى السوق المحلية كميات كبيرة من المنتجات متباينة الجودة ومجهولة المصدر، ما حوّل الأسواق إلى بيئة خصبة لانتشار الغش التجاري، وسط صعوبات كبيرة تواجه المستهلك العادي في التمييز بين المنتج الأصلي والمقلد.

تشابه شكلي يربك المستهلك

في هذا السياق، قال عبد الله ترجمان، مدير التسويق في إحدى الشركات الوطنية المتخصصة في إنتاج الزيوت والشحوم، إن المنتجات المقلدة باتت تتقن محاكاة الشكل الخارجي للعلامات التجارية العالمية بدرجة عالية، ما يجعل عملية التمييز شبه مستحيلة بالنسبة للمواطن.

وأوضح أن المستهلك قد يجد نفسه أمام عبوات تحمل علامات ألمانية أو إماراتية أو أسماء تجارية معروفة، دون أن يكون قادرًا على التأكد من مصدرها الفعلي أو مطابقتها للمواصفات، الأمر الذي أدى إلى تراجع الثقة بالمنتجات المتداولة في السوق.

ولا تقتصر أضرار هذه المنتجات على الخسارة المالية، إذ أشار ترجمان إلى أن استخدام الزيوت المغشوشة يتسبب بأضرار ميكانيكية جسيمة للمحركات، ويؤدي إلى تراجع الأداء وارتفاع احتمالية الأعطال المفاجئة، التي قد تتطور في بعض الحالات إلى حوادث خطرة تهدد سلامة السائقين والركاب.

الصناعة الوطنية كخيار بديل

أمام هذا الواقع، تحاول بعض الشركات الوطنية تقديم نفسها كبديل أكثر أمانًا، عبر الاستثمار في بنى تحتية تقنية متطورة. وبيّن ترجمان أن شركات محلية أنشأت مخابر متخصصة تُعد من الأحدث على مستوى سوريا والمنطقة، تُستخدم لإجراء اختبارات دقيقة على المنتجات قبل طرحها في الأسواق، بهدف ضمان مطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة.

ويرى أن هذه الخطوات تهدف إلى إعادة بناء الثقة بالصناعة الوطنية، وتقديم منتجات قادرة على منافسة الأصناف المستوردة، في ظل فوضى الجودة التي تطغى على السوق.

تشديد الرقابة: ضرورة لا خيار

على المستوى التنظيمي، يجمع مختصون على أن مواجهة الغش التجاري تتطلب أكثر من جهود فردية أو مبادرات صناعية، بل تحتاج إلى منظومة رقابية حكومية صارمة تشمل ما يدخل البلاد عبر المعابر الحدودية، وما يُتداول داخل الأسواق المحلية.

وفي هذا الإطار، رحّب ترجمان بالقرار الأخير الصادر عن وزارتي الصناعة والاقتصاد، والذي ينص على إخضاع المنتجات المستوردة لتحاليل مخبرية دقيقة قبل السماح بتداولها في الأسواق، معتبرًا هذه الخطوة تطورًا مهمًا في مسار ضبط الجودة وحماية المستهلك.

غير أن هذه الإجراءات، وفق مختصين، تبقى غير كافية ما لم تترافق مع رقابة ميدانية فعالة على ورشات التعبئة غير المرخصة والمستودعات التي تنشط في إعادة تدوير الزيوت المستعملة وبيعها على أنها منتجات جديدة، وهي ممارسات تسهم في تعميق أزمة الغش وتوسيع نطاقها.

أسعار مرتفعة وقطع غيار شحيحة

ولا تقتصر مشكلات قطاع السيارات في سوريا على انتشار الزيوت المقلدة، بل تمتد إلى ارتفاع أسعار قطع الغيار الأصلية بشكل يفوق في بعض الحالات القيمة السوقية للسيارات نفسها.

ويفسر ترجمان هذه المفارقة بأن جزءًا كبيرًا من السيارات التي دخلت السوق السورية مؤخرًا هي سيارات مستعملة أو “منسّقة” جرى استيرادها بأسعار منخفضة من الخارج، لتناسب القدرة الشرائية المحدودة للمواطنين. إلا أن مالكي هذه السيارات يكتشفون لاحقًا أن قطع غيارها نادرة أو باهظة الثمن، ما يحوّل عملية الصيانة إلى عبء مالي كبير.

ويؤدي هذا الواقع، بحسب مختصين، إلى دفع المستهلكين مجددًا نحو الخيارات الأرخص، بما فيها القطع المقلدة، ما يعيد إنتاج حلقة من الأعطال المتكررة وتراجع مستويات الأمان.

دعوات لتنظيم السوق وحماية المستهلك

في ظل هذه التحديات، يطلق خبراء ومختصون دعوات متكررة لرفع مستوى وعي المستهلكين، وحثهم على التدقيق في مصدر المركبة وتوفر قطع غيارها قبل الشراء، وعدم الانجراف وراء الأسعار المنخفضة دون التحقق من الجودة.

بالتوازي، يطالب مختصون الجهات المعنية بوضع رؤية شاملة لتنظيم قطاع السيارات وقطع الغيار، تقوم على تشديد الرقابة، وضبط الاستيراد، ودعم الصناعة الوطنية، بما يحد من الفوضى التي باتت تستنزف ممتلكات المواطنين، وتهدد سلامتهم على الطرقات.

اقرأ أيضاً:دمشق أمام موجة غير مسبوقة من تكسير السيارات: تحقيقات أمنية وتكهنات شعبية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.