الليرة السورية بصيغة جديدة: أسئلة التغطية والكلفة قبل دخول 2026
مع اقتراب العام 2026، يقف الاقتصاد السوري أمام محطة نقدية مفصلية، مع اطلاق مصرف سوريا المركزي فئات نقدية جديدة بعد حذف صفرين من العملة المتداولة حاليًا، في خطوة تقول السلطات النقدية إنها تهدف إلى تبسيط المعاملات اليومية وتخفيف الأعباء الحسابية واللوجستية التي راكمها التضخم خلال السنوات الماضية.
وبحسب تقرير موسّع نشره موقع “هاشتاج”، تأتي هذه الخطوة في سياق محاولة لإعادة تنظيم المشهد النقدي المأزوم، إلا أنها تفتح في الوقت ذاته نقاشًا واسعًا حول جدواها الاقتصادية، وقدرتها الفعلية على إحداث استقرار نقدي في ظل بيئة اقتصادية تعاني من اختلالات بنيوية عميقة.
خطوة تقنية أم تحول نقدي فعلي؟
رغم تقديم حاكم مصرف سوريا المركزي شروحات تقنية حول شكل العملة الجديدة وآليات استبدالها، يرى اقتصاديون أن الخطاب الرسمي تجنّب الإجابة عن السؤال الجوهري المتعلق بتغطية الإصدار النقدي الجديد، وهو ما يُعدّ حجر الأساس في أي سياسة نقدية مستدامة.
فالثقة بالعملة، وفق مختصين، لا تُبنى عبر حذف الأصفار أو تحديث التصميم، بل عبر وضوح مصادر القوة التي تستند إليها الورقة النقدية، سواء من حيث الاحتياطي، أو الربط بالإنتاج الحقيقي، أو الانضباط في حجم الكتلة النقدية المطروحة في السوق.
وحتى الآن، لم يعلن المصرف المركزي بشكل واضح حجم الكتلة النقدية التي يعتزم إصدارها ضمن الصيغة الجديدة، ولا طبيعة الأصول التي ستُستخدم لتغطيتها، ما يفتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة تستند إلى تحسن فعلي في الناتج المحلي الإجمالي، أم أنها إجراء منفصل عن الواقع الإنتاجي المنهك.
مخاوف من إعادة إنتاج التضخم
يحذّر خبراء من أن غياب الربط بين الإصدار النقدي والنمو الاقتصادي الحقيقي قد يؤدي إلى إعادة تدوير الأزمة ذاتها، بحيث تنتقل معدلات التضخم المرتفعة إلى العملة الجديدة، مع تغيير الأرقام فقط دون معالجة جوهر المشكلة.
وتزداد هذه المخاوف في ظل استمرار العقوبات الدولية، والعجز المزمن في الميزان التجاري، وضعف القدرة التصديرية، وهي عوامل تضغط بشكل مباشر على استقرار سعر الصرف والقوة الشرائية للعملة المحلية.
الاحتياطيات والذهب: أرقام غائبة
في هذا السياق، تبرز قضية الاحتياطيات الأجنبية والمخزون الذهبي بوصفها عنصرًا حاسمًا في أي عملية إصدار نقدي جديدة. إلا أن حجم هذه الاحتياطيات القابلة للتسييل لا يزال غير معلن بشكل رسمي، سواء ما يتعلق بالعملات الصعبة أو حقوق السحب الخاصة.
كما يلف الغموض حجم الذهب المتاح لدى المصرف المركزي، وسط غياب بيانات دقيقة حول دوره في تغطية العملة الجديدة، ما يضعف، بحسب مراقبين، قدرة الليرة بصيغتها الجديدة على استعادة ثقة المتعاملين والمستثمرين.
ويشير التقرير إلى أن التحدي الأساسي يكمن في تحديد “مزيج التغطية”، أي النسب الفعلية بين الذهب، والعملات الأجنبية، وبقية الأصول، وسط تساؤلات حول مدى الالتزام بالمعايير القانونية الناظمة لعملية الإصدار.
التزامات قانونية غير مُعلنة
وبحسب قانون النقد الأساسي السوري، وتحديدًا المادة الحادية والعشرين، لا يجوز إصدار أي عملة جديدة دون زيادة موازية في موجودات المصرف المركزي من الذهب أو الأصول الأجنبية، كما يشترط القانون ألا تقل نسبة الذهب والعملات الصعبة عن 40 بالمئة من إجمالي عناصر التغطية.
غير أن المصرف المركزي، وفق التقرير، لم يقدّم حتى الآن بيانات رسمية تؤكد الالتزام بهذه النسبة، ما يعمّق حالة الشك ويجعل مستقبل العملة الجديدة مرتبطًا بدرجة الشفافية التي ستعتمدها السلطة النقدية في المرحلة المقبلة.
الطباعة في الخارج… وكلفة إضافية
بالتوازي، يتصاعد النقاش حول الجهة التي ستتولى طباعة الفئات الجديدة، وسط ترجيحات باللجوء إلى روسيا، في ظل العقوبات المفروضة على سوريا وصعوبة التعامل مع المطابع الأوروبية.
وإذا ما تم اعتماد هذا الخيار، فإن الأسئلة لا تقتصر على الجانب الفني، بل تمتد إلى الكلفة المالية لهذه العملية، وطريقة سدادها، وما إذا كانت ستُدرج ضمن ديون سيادية جديدة، أم ستُغطى عبر أصول محلية أو ترتيبات مالية خاصة.
بين ترميم الثقة و”التجميل النقدي”
يخلص التقرير إلى أن الاقتصاد السوري يقف أمام مسارين متناقضين؛ الأول، أن تتحول العملة الجديدة إلى مدخل لإعادة بناء الثقة عبر سياسة نقدية أكثر شفافية، تربط الإصدار بالإنتاج الحقيقي والاحتياطي الفعلي، وتحد من الفوضى النقدية.
أما المسار الثاني، فيتمثل في أن تبقى الخطوة مجرد إجراء شكلي يهدف إلى تخفيف مظاهر الأزمة دون معالجة جذورها، ما يعني استمرار تآكل القوة الشرائية بأدوات وأرقام جديدة.
وفي ظل غياب الإجابات الحاسمة حتى الآن، يبقى مستقبل الليرة السورية، بصيغتها الجديدة، مرهونًا بقدرة المصرف المركزي والسلطات الاقتصادية على إدارة هذا التحول بحذر ووضوح، بما يحمي ما تبقى من مدخرات السوريين، بدل تعميق فجوة الشك وعدم اليقين.
اقرأ أيضاً:الملكية الكاملة للأجانب في سوريا: طوق نجاة للاقتصاد أم تسليم لمفاتيح الإعمار؟