هرباً من النار التي سعرها النمرود “الإسرائيلي” بحق أطفال قطاع غزة على مدار 47 يوماً والتي راح ضحيتها عشرات آلاف الشهداء والجرحى وتدمير مئات آلاف المنازل والوحدات السكنية محولة القطاع إلى مدينة أشباح مخيفة، خرج أهالي غزة إلى بحرهم في خان يونس لعل مياهه تكون برداً وسلاماً تشفي جراحهم وتهدئ آلامهم الجسدية والنفسية.
في مياه بحرهم وضع الغزاويون أقدامهم غير آبهين بشدة برودتها في هذا الوقت من الشتاء، فكيف ما كانت درجة حرارة المياه فهي أرحم بكثير من القنابل الفسفورية الحارقة والمحرمة دولياً والتي أصبح أطفال غزة قبل رجالها يخبرون شدتها وجبروتها وحقدها والتي قتلت ما قتلت وحرقت ما حرقت من أقربائهم وأصدقائهم وأجسادهم.
سعة البحر ونسماته وبرودته قد تلهي وتنسي هؤلاء لفترة وجيزة، ولكن كيف يمكن لها أن تنسي سكان القطاع المحاصر منذ 18 عاماً مرارة وقهر التشرد والضياع والانكسار، وكيف يمكن لها أن تمحي من ذاكرتهم عزيزاً فقدوه وبيتاً لطالما عهدوه حاضناً آوياً لهم من حر الصيف وبرد الشتاء.
على شاطئ البحر يقف أحمد ينظر بعين إلى طفله وهو يلعب وبعين أخرى يراقب عمق البحر خوفاً من زورق صهيوني قد يخرق التهدئة المؤقتة ويقتل طفله أو يقتله فهذا الكيان المجرم المارق لطالما عُرف بعنجهيته وحقده وعدم وجود أي ضابط اجتماعي أو رادع ديني أو وازع أخلاقي أو قانوني قد يجبره على الالتزام بهدنة أو اتفاقية.
أحمد المهجر من شمال غزة يروي وعيونه مليئة بالدموع كيف قصف الاحتلال منزله ومن ثم لجوئه إلى مدرسة تابعة للأونروا احتمى بها مع طفله والذي تيتم بعد أن قتل الاحتلال والدته بعد قصف المنزل.
معاناة وآلم وأوضاع قاسية يعانيها أحمد وكل من معه في الخيام والمدارس التي اكتظت باللاجئين في ظل ندرة المراحيض والحمامات، ووقوفهم في طوابير طويلة يومياً للحصول على حصص صغيرة من الطعام والمياه ليتفاقم التأثير النفسي للقصف والنزوح.
جل ما يتمناه أحمد هو أن تتوقف الحرب بشكل نهائي لكي يعاود العمل ويبني منزلاً جديداً بدلاً من الذي دمره الاحتلال وأن يعيش هو وطفله آخر ما تبقى من عائلته الشهيدة، وأن يرى العالم يقف صفاً واحداً لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي قطاع غزة وأن تقام دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وبلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حتى اليوم أكثر من 15 ألف شهيد بينهم أكثر من 6150 طفلاً وأكثر من 4000 امرأة، وتم انتشال مئات الشهداء من تحت الأنقاض، بينما لا يزال هناك أكثر من 7000 مفقود إما مصيرهم مجهول أ, تحت الأنقاض، بينهم أكثر من 4700 طفل وامرأة.