سوريا: دمج فصائل مسلحة تحت القيادة الأمريكية… خطوة استراتيجية أم تحضير لانقلاب أو ممر داوود؟
داما بوست -يوسف المصري
مقدمة:
أفادت مصادر مطلعة في “جيش سوريا الحرة” (المدعوم أمريكياً)، اليوم الأربعاء، بأن الفصيل قد التحق بوزارة الداخلية السورية، وذلك بهدف “ضبط الأمن في البادية السورية”.
ويأتي هذا الإجراء بعد أن كان الفصيل قد انضم في وقت سابق إلى الفرقة 70 التابعة لوزارة الدفاع. وبموجب الترتيب الجديد، سيعمل “جيش سوريا الحرة” ضمن مديرية التنف.
ويظهر فصيل “جيش سوريا الحرة” كأحد أبرز القوى العسكرية المدعومة من “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة. وفي هذا التقرير، سنسلط الضوء على دور هذا الفصيل في سوريا، وتحليل تأثير الخطوات الحالية على مسار الأزمة السورية.
إقرأ أيضاً: مسؤول إسرائيلي: مفاوضات إسرائيلية-سورية تقترب من الإنجاز: اتفاق أمني شبيه باتفاق 1974
جيش سوريا الحرة: التأسيس والتحول:
تأسس “جيش سوريا الحرة” في عام 2015، بداية ككتلة من المنشقين عن النظام السوري السابق، وكان الهدف الأساسي له هو محاربة تنظيم داعش في جنوب شرق سوريا. وبالدعم الأمريكي، تحوّل هذا الفصيل إلى أحد القوى العسكرية الرئيسية في مناطق البادية السورية ومحيط قاعدة التنف.
تلقى “جيش سوريا الحرة” دعمًا عسكريًا ولوجستيًا من “التحالف الدولي”، بالإضافة إلى تدريبات ميدانية مكثفة، ما جعله أحد الركائز الأساسية في محاربة داعش في المنطقة. وبالرغم من تحولات أسمائه وتغيير قياداته، مثل إعادة تسميته إلى “جيش مغاوير الثورة” في 2016 ثم تغيير اسمه إلى الاسم الحالي “جيش سوريا الحرة” في 2022، لا يزال يتمتع بدور بارز في العمليات الأمنية والعسكرية في منطقة التنف الواقعة على الحدود السورية-الأردنية-العراقية.
التعاون الأمريكي ودمج الفصائل: خطوة استراتيجية أم تبعية؟
لقد أسفر الدعم الأمريكي لهذا الفصيل عن تشكيل تحالف أمني طويل الأمد، حيث قدمت الولايات المتحدة المعدات الثقيلة والأسلحة المتطورة لـ “جيش سوريا الحرة”، بالإضافة إلى التدريب المستمر. وفي خطوة استراتيجية، أُعلن عن دمج هذا الفصيل في هيكل وزارة الداخلية السورية، بهدف تعزيز قدراته في مكافحة الإرهاب وتعميق التنسيق مع القوات الأمريكية.
إلى جانب ذلك، أعلنت وزارة الحرب الأمريكية عن تخصيص 130 مليون دولار لدعم كل من “جيش سوريا الحرة” و”قوات سوريا الديمقراطية” ضمن موازنتها لعام 2026. هذه الأموال تهدف إلى تدريب وتعزيز قدرات هذه القوات، بالإضافة إلى تعويض الخسائر البشرية التي تعرضت لها في السنوات الماضية.
ويُعتبر “جيش سوريا الحرة” جزءًا من خطة أكبر لضبط الأمن في المناطق التي كانت تعتبر سابقًا محظورة على التدخلات العسكرية المباشرة. ويُتوقع أن يسهم هذا التحرك في تعزيز الدور الأمريكي في المنطقة.
ما وراء دمج جيش سوريا الحرة في وزارة الداخلية: التحديات والفرص:
تحليل هذه الخطوة يكشف عن بُعدين: الأول هو التأثير المحتمل على دور “جيش سوريا الحرة” في محاربة الإرهاب في المناطق الشرقية والجنوبية من سوريا، والثاني هو العلاقة بين هذا الفصيل وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ما يتعلق بتنسيق العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية.
قد يكون دمج “جيش سوريا الحرة” في وزارة الداخلية السورية، مع تكليف العميد أحمد التامر بقيادته، بمثابة تعزيز لدور هذا الفصيل في الأمن الداخلي السوري. وفي ذات الوقت، يثير ذلك بعض المخاوف حول الدور المستقبلي لهذه القوات، خاصة فيما يتعلق بوجود تداخل في مهامها مع قسد، التي هي تحت قيادة أمريكية مباشرة.
قد يُنظر إلى هذا الدمج على أنه خطوة تهدف إلى ضبط الوضع الأمني في سوريا ومنع تفكك الفصائل المتنوعة التي كانت تُعتبر حليفة للولايات المتحدة. ومع هذا، فإن وجود “جيش سوريا الحرة” تحت إشراف أمريكي قد يثير قلقًا لدى النظام السوري الجديد، الذي يخشى من تكريس دور هذا الفصيل إلى جانب “قسد” في إدارة الأمن ضمن منطقة البادية السورية، خاصةً أن قوات مكافحة الإرهاب التابعة لقسد تسير نحو الاندماج ككتلة ضمن وزارة الداخلية السورية.
دور “جيش سوريا الحرة” في التنسيق مع “التحالف الدولي”:
رغم المخاوف المحلية من تعزيز دور الجيش الأمريكي في سوريا، إلا أن التنسيق بين “جيش سوريا الحرة” و”التحالف الدولي” يبدو عنصرًا مهمًا في استراتيجية الولايات المتحدة للسيطرة على المنطقة وزعم مكافحة الإرهاب. في الواقع، “التحالف الدولي” قد أجرى العديد من التدريبات المشتركة مع “جيش سوريا الحرة”، ويبدو أن هذا التعاون سيستمر في المستقبل القريب.
من المرجح أن تكون هذه الفصائل، بقيادة أمريكية، في صدارة العمليات العسكرية ضد أي تهديدات قد تنشأ من قوات النظام السوري أو من التنظيمات الإرهابية في المنطقة.
الخطوة التالية: هل هي مقدمة لانقلاب عسكري أو تحول استراتيجي؟
العديد من المراقبين يطرحون تساؤلات حول ما إذا كان دمج “جيش سوريا الحرة” ضمن هيكل وزارة الداخلية السورية يُعد خطوة أولى نحو تحول أوسع في سوريا، قد يصل إلى تعديل في التحالفات العسكرية. إذ إن بعض التحليلات تشير إلى أن هذه الخطوة قد تمهد الطريق لتوسيع الدور الأمريكي في سوريا.
قرار انتقال “جيش سوريا الحرة” إلى وزارة الداخلية جاء بالتزامن مع تصريحات إسرائيلية حول اقتراب التوصل إلى اتفاق أمني مع السلطة الانتقالية في سوريا، يتضمن تنسيق أمني سوري -أمريكي -إسرائيلي وإنشاء نقاط أمنية مشتركة في جبل الشيخ بريف دمشق. بالإضافة إلى الحديث عن اندماج قوات سوريا الديمقراطية وقوات مكافحة الإرهاب التابعة لها ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية في الحكومة السورية الجديدة، ككتل وليس كأفراد.
ويعني ذلك أن قوات مكافحة الإرهاب التي ستتكون لاحقاً، -وفق المعطيات الحالية- من “جيش سوريا الحرة” وقسد، ستكون ذراع واشنطن وقوتها الضاربة ضمن المنظومة الأمنية السورية.
تلك المعلومات قد تكون بالنسبة للكثير من المتابعين خطوة جيدة باتجاه استقرار سوريا واستدامة الأمن فيها، إلا أنها تخفي في طياتها الكثير من التقلبات التي قد تصل حد تنفيذ انقلاب عسكري برعاية أمريكية.
هل هذا سيناريو يستحق المتابعة؟
مستقبل “جيش سوريا الحرة” مرهون بعدد من العوامل، أبرزها استمرار الدعم الأمريكي له، والتنسيق مع القوات الكردية في المنطقة، بالإضافة إلى الأهداف الاستراتيجية التي يسعى “التحالف الدولي” لتحقيقها في سوريا. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه القوات ستظل جزءًا من المشهد العسكري السوري، أم أن سياستها ستتغير بشكل جذري في ظل التحولات القادمة في المنطقة.
قد يؤدي تكريس الوجود العسكري الأمريكي عبر دعم “جيش سوريا الحرة” إلى تحولات جديدة في التوازنات السياسية والإستراتيجية في سوريا، وهي خطوة قد تُشكل منعطفًا في تاريخ الصراع السوري.
خرائط السيطرة:
قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، و”جيش سوريا الحرة” بعد سقوط نظام الأسد، وسع مناطق سيطرته وانتشاره لتصل إلى مدينة الضمير بالقلمون الشرقي بريف دمشق، ومدينة تدمر في قلب البادية السورية، ما يعني وفق محللين عسكريين، سيطرة أمريكية على شمال وشرق سوريا مع البادية السورية، وصولاً لأبواب مدينة حمص.
وإذا ما شاهدنا الخريطة السورية في وضعها الحالي، نستنج أن الجنوب السوري بات ضمن السيطرة الإسرائيلية والتي تمنع وجود أسلحة ثقيلة تابعة لقوات الحكومة السورية الجديدة ضمن الجنوب.
السويداء الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية الانتقالية، حدودها الشرقية مع البادية السورية والتي أصبحت أو ستصبح في القريب العاجل، منطقة عمليات خاصة بـ “جيش سوريا الحرة” وقوات سوريا الديمقراطية، ما يعني أن ممر داوود التي روجت له “إسرائيل” كثيراً يكتمل بهدوء وبدعم أمريكي كامل.
إقرأ أيضاً: جيش سوريا الحرة ينتقل من الدفاع إلى الداخلية لضبط أمن البادية
إقرأ أيضاً: قسد تسلم التحالف الدولي قائمة قادة فرقها العسكرية للاندماج بوزارة الدفاع