بعد سقوط الأسد.. “داعش” يعيد تنظيم صفوفه في الشرق السوري
تشهد مناطق الشرق السوري منذ مطلع عام 2025 تصاعداً لافتاً في نشاط تنظيم “داعش”، الذي يبدو أنه استغل الفراغ الأمني والسياسي الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، لإعادة ترتيب صفوفه وشنّ حرب استنزاف طويلة الأمد في مناطق تمتد من دير الزور إلى أطراف الرقة وتدمر.
استغلال الفوضى والفراغ الأمني
ووفقاً لتقرير حديث أصدره مركز “صوفان” الأميركي، فإن مقاتلي التنظيم تمكنوا خلال الأشهر الماضية من نهب مخازن أسلحة وذخائر تابعة لقوات النظام السابق، ما أتاح لهم تجديد ترسانتهم العسكرية وإعادة تشكيل قوة تمردية قوامها عدة آلاف من المقاتلين، تعتمد في استراتيجيتها على تكتيكات حرب العصابات بدل السيطرة المكانية على المدن كما في المرحلة السابقة.
وأشار التقرير إلى أن القوات التابعة للحكومة السورية الانتقالية ما زالت عاجزة عن بسط سيطرتها الأمنية على كامل الأراضي السورية، في ظل توترات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومجموعات موالية لدمشق، ما خلق بيئة رخوة تخدم التنظيم الإرهابي في إعادة تموضعه.
“داعش” يتحول إلى مافيا مسلحة
بحسب التقرير، فإن التنظيم غيّر من طبيعة عملياته، ليتحول إلى كيان أقرب إلى شبكة إجرامية منظمة تمارس أنشطة مثل الخطف والابتزاز وفرض الإتاوات، لتأمين التمويل اللازم لتحركاته، خصوصاً مع تراجع الدعم الخارجي واحتمال انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
ورغم خسارته لـ“الخلافة” المزعومة عام 2019، لا يزال التنظيم يمتلك احتياطيات مالية ضخمة تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات، ما يمنحه القدرة على خوض حرب منخفضة الحدة تمتد لسنوات، مستخدماً أسلوب “الكرّ والفرّ” والاختباء بين السكان المحليين.
كما أشار مركز “صوفان” إلى أن هجمات التنظيم الأخيرة التي وصلت إلى محيط العاصمة دمشق تؤكد استمرار قدرته على التخطيط والتنفيذ في مناطق كانت تُعدّ سابقاً آمنة نسبياً، ما يجعل خطره “واضحاً ومستمراً رغم تجاهل كثيرين له”.
تهديد “وحيد القرن الرمادي”
وصف التقرير خطر “داعش” بأنه “وحيد القرن الرمادي” — أي التهديد المعروف والواضح، لكن الذي يتم تجاهله حتى يفاجئ الجميع بانفجاره.
وأبرز التقرير أن التنظيم يواصل السعي لتحرير عناصره من مخيمات الاعتقال والسجون المنتشرة في الشمال الشرقي، مذكّراً بحملة “كسر الأسوار” التي شنّها سابقاً وأدت إلى عمليات فرار واسعة من سجن الصناعة في الحسكة عام 2022، وهي الحملة التي أنعشت صفوف التنظيم ورفعت معنوياته ودعايته.
شبكة جهادية عابرة للحدود
من بين النقاط اللافتة في التقرير، تسليطه الضوء على قدرة التنظيم على الحفاظ على شبكة عالمية مرنة تمتد من إفريقيا جنوب الصحراء إلى جنوب آسيا، حيث باتت بعض الفروع قادرة على إرسال دعم مالي ولوجستي إلى سوريا والعراق، ما يعكس انتقال مركز الثقل المالي داخل الشبكة.
كما أشار التقرير إلى بروز دور “الإدارة العامة للولايات” داخل الهيكل التنظيمي، إلى جانب “مكتب الكرار عبد القادر مؤمن” المرتبط بعمليات التنظيم في الصومال، والذي يتولى مهام تنسيق وتمويل متزايدة الأهمية.
تصاعد العمليات في دير الزور
من جانب آخر، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها الأسبوع الماضي أن التنظيم كثّف هجماته في شمال وشرق سوريا خلال العام الحالي، مستغلاً انسحاباً جزئياً للقوات الأميركية والفوضى التي رافقت المرحلة الانتقالية.
وبحسب بيانات حصلت عليها الصحيفة من “قسد”، نفّذ “داعش” 117 هجوماً حتى نهاية آب/أغسطس الماضي، مقارنة بـ73 هجوماً فقط خلال عام 2024، في مؤشر واضح على تصاعد النشاط العسكري للتنظيم.
كما أودت هجمات التنظيم بحياة 7 عناصر من قوات قسد خلال شهر آب وحده، فيما شهد الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر 8 هجمات إضافية، بينها تفجير ألغام وكمائن على الطرقات.
ونقلت الصحيفة عن القيادي في “قسد” غوران تل تمر قوله إن انسحاب القوات الأميركية “ألهم داعش ورفع معنوياته”، مضيفاً أن التنظيم بات “يشنّ مزيداً من العمليات مع ازدياد شكاوى المدنيين من تدهور الأمن والخدمات”.
خلايا صغيرة وعمليات دقيقة
تؤكد مصادر أمنية في شرق سوريا أن التنظيم غيّر تكتيكاته الميدانية، معتمداً على خلايا صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها خمسة مقاتلين، تعمل أحياناً في مدينة واحدة دون أن تعرف كل خلية الأخرى، ما يصعّب عملية رصدها أو استهدافها.
ويحذر مراقبون من أن هذا النمط الجديد من القتال، القائم على التحرك السريع والتمويه المحلي، يعيد البلاد إلى مشهدٍ معقد تتقاطع فيه خطوط الصراع الأهلي مع الإرهاب العابر للحدود، ما يجعل استقرار الشرق السوري هشاً أكثر من أي وقت مضى.
وبينما تستمر الحكومة الانتقالية في محاولاتها لتثبيت الأمن وإعادة بناء المؤسسات، يبدو أن تنظيم “داعش” يسعى لاستثمار هذه الفوضى ليعود لاعباً محورياً في المشهد السوري — لا كدولة هذه المرة، بل كتمرد متحرك يتغذى على الانهيار ويعيد تدوير الفوضى.
اقرأ أيضاً:;وول ستريت جورنال تصاعد نشاط داعش في سوريا وسط تغيير في التكتيكات