الحفر الصحية البديلة في شمال غربي سورية تتحول إلى بؤر تلوث

في أحياء شمال غربي سورية التي ما زالت أنقاضها شاهدة على آثار الحرب، يواجه الأهالي واقعاً بيئياً وصحياً متدهوراً، بعد أن تحولت الحفر الصحية التي حفروها قرب منازلهم المهدمة إلى مصدر دائم للتلوث وانتشار الأمراض. فمع غياب شبكات الصرف الصحي ودمار البنى التحتية، لجأ السكان إلى حلول مؤقتة سرعان ما أصبحت خطراً يهدد المياه الجوفية وصحة المجتمع.

يقول خالد اليوسف، وهو أحد العائدين إلى قريته في ريف إدلب الجنوبي، إن “الحفر الصحية هي الحل الوحيد للأهالي بعد دمار الشبكات، لكنها تتحول في فصل الشتاء إلى مصدر معاناة، إذ تمتزج مياه الأمطار بالمياه الملوثة، فتفيض الروائح الكريهة داخل المنازل وتنتشر الحشرات بشكل مزعج”. ويضيف في حديثه لـ“العربي الجديد” أن هذه الحفر تُنفذ غالباً بطريقة عشوائية من دون إشراف هندسي، ما يزيد من خطر تسرب المياه العادمة إلى أساسات المباني المجاورة أو انهيار جدرانها.

ويشير اليوسف إلى أن غياب الدعم من الجهات المحلية والمنظمات الإنسانية جعل السكان يعتمدون على حلول فردية غير آمنة، موضحاً أن “إعادة الحياة إلى القرى المدمّرة لا تقتصر على عودة الأهالي، بل تتطلب إعادة تأهيل شبكات الصرف والمياه، لأنها أساس أي استقرار صحي وبيئي حقيقي”.

حياة يومية وسط التلوث
تصف صباح فريج، وهي أم لأربعة أطفال، الحياة اليومية في قريتها بأنها “صراع مستمر مع الروائح والحشرات”. تقول إن “المياه الملوثة المتسربة من الحفر الصحية تحاصر المنازل وتغمر الأزقة، ما يجعل فتح النوافذ أمراً مستحيلاً. الأطفال يعانون التهابات جلدية متكررة بسبب التلوث، والنساء يتحملن العبء الأكبر لأنهن الأكثر احتكاكاً بالمياه خلال أعمال المنزل”.

وتوضح فريج أن الأهالي طالبوا مراراً المجلس المحلي بتوفير حلول هندسية أو شبكات بديلة، إلا أن ضعف الإمكانيات حال دون أي استجابة، فيما تتفاقم المشكلة مع كل موسم أمطار جديد، حيث تطفو المياه الآسنة على السطح وتنشر روائح خانقة في محيط المنازل.

تحذيرات هندسية ومخاطر بيئية
يحذر المهندس المدني عبد الرحمن العبد من الآثار البنيوية الخطيرة لاستمرار استخدام الحفر الامتصاصية بهذه الطريقة، موضحاً أن “تسرب المياه العادمة إلى التربة قد يؤدي إلى تآكل الأساسات في المباني القديمة والمتضررة من الحرب، ويرفع منسوب المياه الجوفية الملوثة، ما يشكل تهديداً مزدوجاً للبنية التحتية وللصحة العامة على حد سواء”.

ويضيف أن “أغلب هذه الحفر تُنشأ في ظروف غير ملائمة ومن دون دراسة لطبيعة التربة أو إشراف هندسي، ما يجعلها غير قادرة على تصريف المياه بشكل آمن، ويهيئ بيئة مثالية لانتشار الحشرات والأمراض المنقولة بالمياه”.

حلول مقترحة
يرى العبد أن معالجة الأزمة لا تقتصر على إعادة إنشاء شبكات صرف رئيسية، بل يمكن البدء بمشاريع مرحلية صغيرة أو لامركزية، مثل إنشاء خزانات إسمنتية محكمة الإغلاق لمعالجة جزئية للمياه الرمادية داخل الأحياء، إلى حين تأمين التمويل اللازم لإعادة تأهيل الشبكات العامة.

كما يدعو إلى “توحيد الجهود بين الجهات الرسمية والمجالس المحلية والمنظمات العاملة في المجال الخدمي، لإعداد خريطة أولويات تبدأ من القرى الأكثر اكتظاظاً أو المعرضة لتلوث المياه الجوفية”، إضافة إلى تدريب فرق محلية على إنشاء حفر صحية أكثر أماناً ومطابقة للمعايير الفنية، كحل مؤقت يقلل من المخاطر البيئية والصحية.

ويؤكد العبد أن “ملف الصرف الصحي يجب أن يُدرج ضمن رؤية شاملة لإعادة الإعمار المستدامة، لأن البنية التحتية ليست مجرد خدمات تقنية، بل هي خط الدفاع الأول عن الصحة العامة واستقرار المجتمعات”.

واقع متدهور وبنى مدمّرة
تُظهر التقارير المحلية أن شبكات الصرف الصحي في معظم مدن وبلدات شمال غربي سورية تعرضت لدمار شبه كامل خلال الحرب، نتيجة القصف والإهمال المزمن ونقص الصيانة. ومع عودة آلاف النازحين إلى مناطقهم، ازداد الضغط على ما تبقى من بنى تحتية، في وقت توقفت فيه أغلب مشاريع الإصلاح بسبب غياب التمويل وضعف القدرات الفنية واللوجستية.

في ظل هذا الواقع، أصبحت الحفر الصحية البديلة التي لجأ إليها السكان حلًا اضطراريًا ذا تبعات خطيرة، إذ تحولت من وسيلة مؤقتة للتصريف إلى أحد أبرز مصادر تلوث المياه الجوفية وانتشار الأمراض، خاصة بين الأطفال والنساء، ما يهدد بتحول الأزمة البيئية في شمال غربي سورية إلى أزمة صحية واسعة ما لم تتدخل الجهات المعنية بخطط استجابة عاجلة ومستدامة.

اقرأ أيضاً:غلاء العقارات شمال شرقي سوريا: تحديات اجتماعية واقتصادية تلتهم أحلام السكان

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.