العشيرة تقرّر: هل أنت “شبيح” أم محمي.. مَن ينجو في دير الزور؟
في ظل تصاعد الانقسام الطائفي والاجتماعي في سوريا، تشهد محافظة دير الزور تحوّلًا لافتًا في طبيعة العلاقات الاجتماعية وتوازنات النفوذ، حيث تجاوز سؤال الانتماء الطائفي ليحلّ محله سؤال أكثر حساسية: “من أي عشيرة أنت؟”
هذا التحول ليس عفويًا، بل يُقرأ في سياق إعادة رسم خريطة الولاءات والسلطة في الشرق السوري، وخاصة في ظل تراجع دور الدولة وغياب سلطة مركزية واضحة، كما تؤكد المعلمة “ابتسام الأحمد” في تصريح لـ”هاشتاغ”، مشيرة إلى أن ما يُسمى “السلطة” في دير الزور ما هي إلا مجموعات مسلحة، بعضها يُقال إنه تابع لوزارة الدفاع، لكن الواقع يُثبت العكس.
العشيرة أولاً: معيار الانتماء والولاء:
بات من المعتاد أن يُطرح سؤال “من أي عشيرة أنت؟” كأول خطوة بعد التعارف، لا بهدف التودد أو التعارف الثقافي، بل كأداة تصنيفية تُستخدم لتحديد الانتماء السياسي والموقع الاجتماعي، بل وحتى لتقييم درجة “الخطورة” أو “الولاء” كما يراها الطرف الآخر.
توضح “الأحمد” أن الانتماء العشائري أصبح معيارًا لتحديد ما إذا كان الشخص سيُصنف على أنه “شبيح” أو “ثائر”، خاصة إذا كانت عشيرته قد ظهر منها شخصيات بارزة في مؤسسات النظام السابق، لا سيما الأمنية والسياسية.
السلطة لمن يملك العشيرة الأقوى:
يقول أحد سكان حي الجورة في دير الزور، رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية: “الناس اليوم تبحث عن غطاء عشائري يحميها، فالعشيرة أصبحت أقوى من القانون، وأحيانًا حتى من الفصائل المسلحة. إذا كان لديك قريب في موقع مسؤولية، يمكنك النجاة من تحريض وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى من التصفيات الجسدية.”
حوادث مثل إطلاق النار على عضو غرفة التجارة والصناعة السابق “أحمد خرابة” ليست استثناءً، بل أصبحت جزءًا من “القصاص العشائري” كما يصفه من يُسمون أنفسهم “ثوار دير الزور”، في إشارة إلى تصفية من يُشتبه في انتمائهم للنظام أو ولائهم له.
العكيدات والشحيل: دول داخل الدولة:
يشير “ق.س” إلى أن الاستهدافات المسلحة نادرًا ما تطال شخصيات تنتمي لعشائر قوية، مثل قبيلة العكيدات، التي تُمسك، بحسب وصفه، بمفاصل السلطة العسكرية والأمنية في دير الزور. في المقابل، يُلاحظ استهداف شخصيات من قرى مثل الجفرة، مسقط رأس أمين فرع حزب البعث السابق رائد الغضبان، حيث يُحمّل أبناء القرية مسؤولية جماعية لمجرد وجود شخصية نافذة واحدة منهم.
أما “أ.خ”، فيلفت إلى أن أبناء العكيدات انتشروا بولاءاتهم بين النظام، و”قسد”، والمعارضة، وهو ما مكّنهم من حماية أنفسهم بغض النظر عن الجهة المسيطرة.
السوشال ميديا تعكس الانقسام: من “دولة الشحيل” إلى “دولة العكيدات”:
تعبيرات مثل “دولة الشحيل” و”دولة العكيدات” تتكرر كثيرًا على صفحات السوريين في وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لانتقاد ما يصفه البعض بـ”الإقطاع العشائري”، حيث تُدار السلطة على أساس عائلي ومناطقي.
“الشحيل”، مثلًا، كانت معقلًا داعمًا لرئيس الحكومة الانتقالية الحالية أحمد الشرع، قبل سيطرة تنظيم داعش، وخروج جبهة النصرة نحو إدلب. في المقابل، يظهر تعبير “دولة العكيدات” للدلالة على النفوذ الواسع للعشيرة في مفاصل محافظة دير الزور.
شرق سوريا في قبضة العشائر:
في ظل الانهيار المؤسساتي وغياب السلطة الموحدة، باتت العشيرة هي المرجعية الأولى والأخيرة في دير الزور. ومع استمرار النزاع السوري، يبدو أن الانقسام لم يعد فقط طائفيًا أو سياسيًا، بل عشائريًا بامتياز، ما يُنذر بتعقيد إضافي في طريق أي مشروع وطني جامع.
إقرأ أيضاً: تصاعد الاستهدافات الطائفية في ريفي حماة وحمص.. مقتل أربعة عمال من عائلة واحدة وحرق مقام ديني
إقرأ أيضاً: تقرير ألماني: تصاعد العنف ضد الدروز والعلويين وتحديات التحول في سوريا