هل تنجح دمشق في احتواء “قسد”؟
بعد مرور أشهر على إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، بدأت معالم المرحلة الانتقالية السورية تتبلور وسط مجموعة من التفاهمات الداخلية، أبرزها الاتفاق الذي وُقّع في مارس/آذار 2025 بين رئيس الحكومة المؤقتة أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي. اتفاقٌ وصف بأنه “تاريخي”، لما انطوى عليه من إنهاء لحالة الانفصال الواقعي.
إلا أن هذا الاتفاق، ورغم زخمه السياسي، ما زال مفتوحًا على احتمالات متعددة. فغياب التفاصيل الدقيقة، خصوصًا بشأن مستقبل المؤسسات العسكرية والإدارية، يترك الباب مشرعًا أمام تأويلات قد تُفرغه من مضمونه، لا سيما في ظل استمرار الشكوك حول استقلالية قرار “قسد”، التي لا تزال في نظر كثيرين مرتبطة بقيادة حزب العمال الكردستاني المتمركزة في جبال قنديل.
التحوّل اللافت في المشهد جاء في سياق دولي ضاغط، وبمرافقة رمزية من نداءٍ وجهه الزعيم الكردي عبد الله أوجلان من سجنه في إيمرالي في فبراير الماضي، داعيًا إلى وقف العمل المسلح بشكل كامل، والانخراط في العملية السياسية.
وسرعان ما نعكست هذه الدعوة في سوريا إلى سلسلة تفاهمات بين قسد والحكومة السورية الجديدة، أبرزها اتفاق 10 آذار الذي نص على دمج هياكل “قسد” ضمن مؤسسات الدولة، مع ضمانات تمثيلية لمناطق الشمال الشرقي، وتأكيد على وحدة البلاد وحقوق العائدين والعدالة في توزيع الموارد.
سيناريوهات متباينة.. وهواجس أمنية
اليوم، لا يبدو أن طريق الاندماج بين الإدارة الذاتية والدولة المركزية سالك تمامًا. فالعلاقة بين الطرفين ما زالت تدور في فلك ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
-
الأول: اندماج تدريجي قائم على شكل من أشكال “اللامركزية” أو “الفيدرالية المحدودة”، وهو الخيار الذي تراه القيادة الكردية ملائمًا لضمان حقوقها ومكتسباتها، بينما تصر دمشق على وحدة الدولة الكاملة ورفض أي صيغة تقود للحكم الذاتي.
-
الثاني: انهيار المفاوضات وتوجّه الدولة نحو الحسم العسكري، وهو احتمال يثير قلقًا واسعًا في المناطق الكردية، خاصة بعد الهجوم العنيف الذي تعرّضت له السويداء في تموز/يوليو الجاري، ما عزز شعورًا عامًا بإمكانية تكرار السيناريو في شمال شرق سوريا.
-
الثالث: الإبقاء على الوضع القائم دون حلّ نهائي، مع استمرار حالة “اللاحرب واللاسلم”، إلا أن هذا الخيار بدوره محفوف بالمخاطر، نظرًا لهشاشة التهدئة وصعوبة ضبط التوازنات على المدى الطويل.
معضلات عسكرية وإدارية
تكمن المعضلة الكبرى في التركيبة العسكرية والإدارية لقسد، إذ تمتلك قواتها ما يفوق 60 ألف مقاتل، بينهم آلاف العرب من الرقة ودير الزور والحسكة، فضلًا عن ترسانة ضخمة من العتاد الأميركي النوعي. وتخشى دمشق من بقاء قوة عسكرية منظمة ومسلحة خارج سيطرة الدولة.
في المقابل، ترفض قسد أي عملية “تفكيك فردي” وتطالب بالاحتفاظ بهيكل عسكري موحّد ضمن صيغة تضمن لها خصوصية ميدانية. أما إداريًا، فقد بنت الإدارة الذاتية شبكة مؤسسات مستقلة، ما يجعل إدماجها ضمن الجهاز الحكومي أمرًا يتجاوز الجوانب التقنية ليصل إلى رمزية سياسية وهوياتية.
وفي بعض المناطق العربية، لا تزال قسد تواجه اتهامات بالتمييز وممارسات قمعية، مما يجعل عملية الاندماج محفوفة بالتوترات المحلية، ما لم تترافق مع عملية مصالحة وعدالة انتقالية شاملة.
أدوار الخارج… وواشنطن تضغط نحو التسوية
لا يمكن فصل المشهد عن الدور الأميركي، حيث لا تزال واشنطن تعتبر قسد شريكها الأبرز في مكافحة الإرهاب، وقد زوّدتها منذ 2015 بدعم عسكري ولوجستي كبير. كما تُعد قضية معتقلي تنظيم “داعش” إحدى الأوراق الأمنية التي تمنح قسد ثقلاً دوليًا متمايزًا.
لكنّ مؤشرات الانسحاب الأميركي المتزايدة دفعت واشنطن مؤخرًا إلى مطالبة قسد بإبرام اتفاق شامل مع دمشق، وهو ما شجّع على توقيع اتفاق آذار، وفتح الباب أمام سيناريو إعادة التموضع السياسي والعسكري للأكراد ضمن الدولة السورية.
خاتمة
المرحلة الراهنة تُعد لحظة اختبار دقيقة، ليس فقط للقضية الكردية، بل لمجمل المسار الانتقالي في سوريا. فنجاح الاندماج السلمي لقسد ضمن مؤسسات الدولة قد يشكّل نموذجًا لتجاوز الانقسامات، وبناء عقد اجتماعي جديد. أما الفشل، فيعني العودة إلى مربع الصراع المفتوح، في وقتٍ تتكاثر فيه التحديات الداخلية والإقليمية.
إقرأ أيضاً: خفايا صفقة السويداء: كيف أعادت واشنطن وتل أبيب توزيع النفوذ في سوريا؟
إقرأ أيضاً: هل يمهّد اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء لبداية حكم ذاتي؟