مترو دمشق بين عقود التأجيل واتفاقيات الاستثمار.. هل يتحول الحلم إلى واقع؟

بعد أكثر من أربعين عامًا من الدراسات والمقترحات المجمدة، عاد مشروع مترو دمشق إلى الواجهة، مدفوعًا باتفاقيات استثمارية ووعود رسمية بإنجازه خلال السنوات المقبلة، في إطار خطة نقل تعتبرها الحكومة الانتقالية “الأضخم في تاريخ سوريا”.

المشروع، المعروف بـ”الخط الأخضر”، يمتد على طول 16.5 كيلومترًا من منطقة المعضمية غربًا إلى القابون شرقًا، مرورًا بمحطة الحجاز في قلب العاصمة، ويضم 17 محطة رئيسية مصممة لاستيعاب نحو 840 ألف راكب يوميًا، وفق ما كشفه مدير شؤون النقل البري في وزارة النقل، علي أسبر.

من الشراكة السعودية إلى صعوبات التمويل

الإعلان عن المشروع جاء بالتزامن مع توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين سوريا والسعودية خلال المنتدى الاستثماري السوري – السعودي الذي احتضنته دمشق في 24 تموز، بقيمة إجمالية قاربت 6.4 مليارات دولار، شملت قطاعات النقل والسياحة والطاقة والبنى التحتية.

ويُقدّر التمويل المطلوب للخط الأخضر بنحو 1.2 مليار يورو، وهو رقم يفوق قدرة الدولة على تمويله، كما أقرّ أسبر في تصريحه لموقع “تلفزيون سوريا”، مؤكدًا أن المشروع سيُطرح للاستثمار بنظام BOT (البناء والتشغيل ثم التحويل) عبر شراكات دولية.

ورغم غياب التمويل الحكومي، شدد أسبر على وجود اهتمام من جهات استثمارية لم يسمّها، قائلاً إن المشروع يشكل فرصة تنموية تتكامل مع خطة لإعادة تأهيل البنية التحتية في العاصمة.

تفاصيل فنية وتنفيذية

من المتوقع أن تتراوح مدة التنفيذ بين 5 و7 سنوات، عبر 29 إلى 40 قطارًا بسعة 1100 راكب للقطار الواحد، وسرعة تصل إلى 80 كم/ساعة، بحيث تستغرق الرحلة من المعضمية إلى القابون أقل من 30 دقيقة.

وأشار أسبر إلى أن المحطات ستُنفّذ وفق رؤية معمارية متكاملة مع الطابع التراثي لدمشق، وستُحوّل إلى مراكز تجارية وخدمية حيوية، فيما ستُستخدم أراضٍ واسعة مثل 50 دونمًا في القابون كمواقع استثمار رديفة تضم مواقف ذكية ومجمعات خدمات حديثة.

نقل المعرفة وتوطين التشغيل

أحد شروط التعاقد الأساسية، بحسب وزارة النقل، هو نقل المعرفة وتدريب الكوادر السورية، إذ سيتولى عمال وموظفون محليون تشغيل المشروع بنسبة 100%، بعد تلقيهم تدريبات من شركاء دوليين، ما يعزز فرص العمل ويسهم في بناء قاعدة بشرية متخصصة بإدارة النقل الحضري الحديث.

كما يتوقع أن يسهم المشروع في تقليص الاعتماد على وسائل النقل العاملة بالوقود، ما ينعكس إيجابًا على البيئة، ويخفّف الازدحام، ويوفّر موارد على الخزينة العامة.

خطوط الضواحي والربط الإقليمي

إلى جانب المترو، تعمل الوزارة على تطوير شبكة سككية مكملة تربط دمشق بضواحيها ومطارها، انطلاقًا من محطة الحجاز، ومنها:

  • الحجاز – دمر – قدسيا – الهامة

  • الحجاز – السيدة زينب – المطار

  • الحجاز – المعضمية – قطنا

  • الحجاز – القدم – الكسوة – دير علي

وستتم مواءمة هذه الخطوط مع الخط الأخضر، وتزويدها بمحطات تبادلية في الحجاز وساحة الجمارك.

من السوفييت إلى السعوديين.. مشروع يتجاوز عمره 40 عامًا

تعود أولى دراسات مشروع مترو دمشق إلى عام 1984، حين اقترح فريق سوفييتي بناء أربعة خطوط تحت الأرض بطول 45 كم تشمل 41 محطة. تبع ذلك جهود يابانية وفرنسية وصينية خلال العقود التالية، كان أبرزها مشروع أُعلن عنه عام 2010 بدعم من فرنسا وبنك الاستثمار الأوروبي، لكنه توقف مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011.

وعلى مدار السنوات الماضية، طُرحت نسخ متعددة من المشروع، لكنها بقيت حبيسة الأدراج أو الأدبيات الإعلامية، دون تقدم ملموس على الأرض، قبل أن يعاد طرحه مؤخرًا ضمن اتفاقيات دولية، ما يفتح الباب – نظريًا – أمام تحقيقه.

واقع غامض وآمال معلقة

رغم التفاصيل الفنية المعلنة، يعترف مسؤولو النقل بأن المشروع لم يُرفَق بعد بموازنة رسمية، وأن الدراسات التقييمية ما زالت قيد التحديث، وهو ما يثير تساؤلات حول الجاهزية الفعلية للانطلاق في التنفيذ، وجدوى الترويج لمشروع ضخم لا يزال يفتقر لمصادر التمويل.

وفيما تعتبر الحكومة السورية أن “مترو دمشق” خطوة استراتيجية نحو إعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد، يبقى الرهان الأساسي على قدرة الدولة على تأمين بيئة قانونية وجاذبة للمستثمرين، وتحويل الوعود المتكررة إلى واقع فعلي يعيد إحياء مشروع طال انتظاره منذ عقود.

إقرأ أيضاً: انطلاق مؤتمر ومعرض DentalHealth 2025 بدمشق

اقراً أيضاً: وزارة الصناعة تحدد أسعار الأراضي في المدن الصناعية السورية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.