بين سعرين وصمت رسمي: الليرة السورية تبحث عن قيمة في سوق لا تعترف بها
لم تعد الليرة السورية تعبّر عن واقع الاقتصاد المحلي، بقدر ما باتت شاهداً على فوضى تسعيرية وتناقضات سياسية واقتصادية، تحوّلت فيها السوق السوداء إلى مرآة شبه رسمية، في ظل غياب أدوات فعالة للضبط أو التوجيه.
رغم تحديد مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار عند 11 ألف ليرة، إلا أن الواقع يروي حكاية أخرى: في السوق، يتراوح السعر بين 9500 و10,200 ليرة، والسؤال الذي لا جواب له: من يحدد السعر الحقيقي، ولماذا يبدو المركزي خارج اللعبة؟
المفارقة أن هذا الفارق لا ينعكس على الأسعار في الأسواق. فلا انخفاض يُلمَس، ولا الرواتب تلحق بالموجات السعرية المتسارعة، في بلدٍ يشهد أعلى مستويات الغلاء في المنطقة، مقابل دخل يقترب من “الصفر المتحرك”، كما يصفه مراقبون اقتصاديون.
يرى الباحث الاقتصادي ملهم جزماتي أن الفجوة بين السعرين تُعدّ أحد أبرز مظاهر الخلل النقدي في سوريا، مشيراً إلى أن غياب المركزي عن سوق الصرف، وفقدانه القدرة على بيع أو شراء الدولار، يعكس شحّ السيولة الأجنبية والمحلية، ويفتح الباب واسعاً أمام السوق الموازية لتكون القناة الحقيقية للتسعير.
ويلفت جزماتي إلى أن توسّع الاقتصاد غير الرسمي، وفقدان الثقة بالعملة المحلية، وزيادة الاعتماد على الدولار، هي نتائج مباشرة لهذا الانفصال بين المؤسّسة النقدية والسوق.
في المقابل، تبدو الحكومة السورية مصرّة على سردية مختلفة، حيث شدّد حاكم المصرف المركزي عبد القادر حصرية على أن سوريا “لن تلجأ إلى الاستدانة الخارجية”، مؤكداً الاعتماد على موارد داخلية لإعادة بناء الاقتصاد، بناءً على توجيه من الرئيس أحمد الشرع.
تصريح لافت من حيث المبدأ، لكنّه يُطرح في واقع يفتقد فيه البلد لسيطرة حقيقية على موارده الأساسية، من نفط وزراعة وصناعة وسياحة، وسط تساؤلات متزايدة عن البيئة الاستثمارية الفعلية، وقدرة الاقتصاد السوري على النهوض دون تمويلات خارجية.
من جهته، يوضح المحلل الاقتصادي فراس شعبو أن الامتناع عن الاستدانة خيارٌ محترم نظرياً، لكن تطبيقه يتطلب مؤسّسات قوية وموارد فعلية، محذّراً من أن الاعتماد الكلي على الذات قد يبطئ عملية التعافي، ما لم تقرن القرارات بخطط إنتاجية واضحة.
ويرى شعبو أن خطوات مثل الخصخصة وتحرير الأسعار والدعم، تتماشى مع شروط صندوق النقد الدولي، ما يفتح الباب مجدداً أمام خيار الاقتراض بشروط عادلة إذا توافرت بنية اقتصادية تستوعب التمويل وتحوّله إلى استثمار حقيقي.
في المحصلة، قد لا يكون سعر الصرف مجرد رقم، بل مقياساً لثقة المواطن، ومرآة لوظيفة الدولة الاقتصادية. وفي بلدٍ باتت فيه الأكياس المليئة بالأوراق النقدية ضرورة لشراء أبسط الحاجات، يبدو السؤال الأساسي الذي يطرحه السوريون اليوم أكثر من شرعي:
هل بقي لليرة من قيمة… أم حان وقت تغييرها؟
إقرأ أيضاً: انطلاق مؤتمر ومعرض DentalHealth 2025 بدمشق
اقراً أيضاً: وزارة الصناعة تحدد أسعار الأراضي في المدن الصناعية السورية