تأخر الإعلان عن ثلث الرئاسة في البرلمان الجديد.. بين الحسابات والتحديات

لا يزال الغموض يحيط بموعد الكشف عن الثلث الرئاسي في تركيبة البرلمان السوري الجديد، رغم مرور أسابيع على إعلان نتائج الانتخابات غير المباشرة لثلثي الأعضاء. فبينما تتضارب التصريحات الرسمية حول موعد الجلسة الأولى، تشير مصادر متابعة إلى أن التأخير يعكس تعقيدات سياسية وأمنية داخلية تتجاوز مجرد الإجراءات التنظيمية.

نتائج انتخابية أقل من المتوقَّع للائتلاف الحاكم

بحسب مصادر تحدثت إلى موقع “المدن”، يبدو أن نتائج الانتخابات لم تأتِ بالشكل الذي كان يطمح إليه ائتلاف “هيئة تحرير الشام” الحاكم، مع نجاح عدد كبير من الشخصيات التي لا تنتمي له. وهذا التطور قد يخلق تحديات مستقبلية أمام قدرته على تمرير التشريعات المطلوبة عبر البرلمان الجديد، وفق القواعد التي حدّدها الإعلان الدستوري.

وتعتبر المصادر أن التأخير في إعلان التشكيلة المكتملة لمجلس الشعب يرتبط برغبة الائتلاف في ضمان أغلبية مريحة داخل البرلمان، عبر الثلث الذي يقوم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بتعيينه، بحيث تُحسم أي عمليات تصويت مستقبلية لصالحه.

إلى جانب ذلك، تضيف المصادر أن انشغال الشرع بمعالجة ملفات كبرى، أبرزها تطورات السويداء وشرق الفرات، لعب أيضاً دوراً في إرجاء الإعلان النهائي.

التمثيل المفقود بانتظار الثلث الرئاسي

ينص الإعلان الدستوري على انتخاب ثلثي أعضاء المجلس بشكل غير مباشر، بينما يعيّن الرئيس الثلث المتبقي. ومع ظهور فجوات تمثيلية في بعض المكونات السورية بعد إعلان نتائج الانتخابات، أُثيرت توقعات بأن يجري تعويض هذا النقص عبر التعيينات الرئاسية لتحقيق التوازن السياسي والاجتماعي المطلوب.

وكان المتحدث الإعلامي باسم لجنة الانتخابات، نوار نجمة، قد توقع تشكيل المجلس خلال فترة تتراوح بين 60 و90 يوماً، في حين أكد وزير الخارجية أسعد الشيباني أن الجلسة الأولى ستنعقد في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. إلا أن الشهر اقترب من نهايته من دون انعقاد الجلسة أو صدور القائمة الرئاسية.

الأمن يتقدم على السياسة

الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، محمد السكري، يرى أن العامل الأمني هو السبب الأبرز وراء هذا التأخير. ويشير إلى أن مصير المفاوضات بين “قسد” ودمشق يشكل أحد أبرز الاستحقاقات القائمة، وأن أي تقدّم في هذا الملف قد ينعكس على طبيعة التشكيلة البرلمانية التي سيُعلن عنها.

ويضيف السكري أن زيارة الشرع لواشنطن أسهمت في إعادة تقييم المقاربات المتعلقة بالملف الداخلي، بما فيها آلية تشكيل البرلمان. كما أثرت التحركات الرئاسية المتواصلة والأحداث المتلاحقة على سير التحضيرات للجلسة الأولى.

ويؤكد أن الإعلان عن الثلث الرئاسي بات قريباً، وأن التأخير لا يتعلق فقط بالسعي لتحقيق توازنات إثنية وتمثيلية، بل يتصل أيضاً بوجود تحديات أمنية معقّدة يُعمل على معالجتها بالتوازي.

غربلة دقيقة للأسماء المقترحة

في المقابل، يرى السياسي السوري أيمن عبد النور أن التأخير يرتبط بالحاجة إلى دراسة واسعة لأسماء الشخصيات المقترحة للتعيين. ويوضح أن الجهات الرسمية تتلقى لوائح مرشحين من مؤسسات مختلفة، ما يتطلب وقتاً لتدقيقها واستبعاد الأسماء غير المناسبة، سواء تلك المحسوبة على “الفلول” أو شخصيات ذات توجهات انفصالية.

ويشير عبد النور إلى أن المعايير المطلوبة تشمل تمثيل المرأة، والأقليات، والإثنيات، والعشائر، بما يضمن توازناً داخل المجلس الجديد. كما لعبت الجولات الدبلوماسية للرئيس الشرع والزيارات الخارجية دوراً في تأجيل إعلان القائمة، في ظل إدارة مركزية للقرار تجعل معظم الملفات بيده مباشرة.

لا انتظار لاعتراف خارجي

ويؤكد عبد النور أن التأخير لا علاقة له بأي انتظار للاعتراف الدولي بالاستحقاقات السياسية السورية. ويرى أن كثافة اللقاءات الدبلوماسية التي أجرتها الإدارة السورية الجديدة، وزيارة الرئيس لواشنطن، واستقبال الشيباني في الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، كلها مؤشرات على قبول دولي مبدئي للعهد الجديد.

كما يشير إلى إسقاط التهم والتصنيفات السابقة عن مسؤولي الحكومة الجديدة، بما يعزز قناعة أن الشرعية الخارجية ولا تقف عقبة أمام استكمال تشكيل البرلمان.

ومع استمرار تساؤلات السوريين حول مصير الجلسة الأولى للبرلمان، يبدو واضحاً أن الإعلان عن الثلث الرئاسي يتطلب توافقات سياسية دقيقة، بالتوازي مع انتظار مستجدات أمنية حساسة. وبين هذين المسارين، يبقى البرلمان خطوة مفصلية في المشهد السوري الجديد، لكنها لا تزال مؤجلة بانتظار اكتمال شروطها.

اقرأ أيضاً:وفد من مجلس الأمن في دمشق قريباً: زيارة رسمية قبل ذكرى سقوط الأسد

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.