تقرير أمريكي: صمت الشرع حيال غزة والجولان يعكس تموضعاً سياسياً جديداً لسوريا
سلّط تقرير نشرته صحيفة موندويس الأمريكية الضوء على ما اعتبره “إعادة صياغة للدور السوري” ضمن منظومة إقليمية تميل فيها مراكز القرار نحو نفوذ أمريكي–إسرائيلي، مع المحافظة على شكل الدولة ومؤسساتها ولكن ضمن حدود تسمح بالتحكم بقطاعات الطاقة والملفات الإستراتيجية.
وبحسب الصحيفة، فإن موجة الانفتاح السياسي على دمشق في السنوات الأخيرة لا تعني استعادة السيادة كما يتم تسويقها رسمياً، بل إعادة دمج سوريا في إطار نفوذ خارجي مطلق يحدّد سقف التعافي الاقتصادي، ويقيد قدرتها على لعب أدوارها التاريخية، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
دولة مُعاد تشكيلها: زيارة الشرع لواشنطن كمؤشر سياسي
يرى التقرير أن زيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى البيت الأبيض مطلع الشهر الحالي، والتي قدمتها الحكومة السورية على أنها “عودة للشرعية الدولية”، تعكس في الواقع انتقال دمشق إلى موقع جديد في الخريطة الإقليمية، قائم على قبول دور محدود داخل نظام سياسي–اقتصادي تديره القوى ذاتها التي شاركت في تفكيك سوريا خلال الحرب.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة تعتمد خطاباً إنسانياً في مقاربة “إعادة تأهيل” سوريا، لكن أدوات النفوذ الحقيقية تكمن في التحكم بقطاع الطاقة، الذي يشكل المحور الأكثر حساسية في تقرير مدى استقلال الدولة السورية مستقبلاً.
الطاقة بوصفها مفتاح السيطرة:
تعافٍ مضبوط وشروط غربية واضحة
وفق تحليل موندويس، فإن خطوط التعافي الاقتصادي “المسموح” لسوريا باتت معلومة مسبقاً لدى مؤسسات المانحين ومراكز الأبحاث الغربية:
-
تُفتح القطاعات منخفضة المخاطر مثل الزراعة وبعض الخدمات والصناعات الخفيفة.
-
وتبقى القطاعات الإستراتيجية — النفط، الغاز، الكهرباء، الاتصالات، والبنى التحتية الكبرى — مقيدة ومشروطة بتفاهمات سياسية إقليمية ترتبط بالعقوبات والاصطفاف الجيوسياسي.
ويشير التقرير إلى أن هذا النموذج يحول مسار إعادة الإعمار إلى مشروع خارجي تشرف عليه شركات استشارات غربية وصناديق استثمار خليجية، بينما تقوم وكالات المانحين بإرساء آلية عمل أقرب إلى “الوصاية” منها إلى الشراكة.
سيادة شكلية وقرار ينتقل إلى الخارج
ترى الصحيفة أن ملامح “سوريا الجديدة” تتبلور ضمن هذه الدينامية، بحيث تصبح السيادة وظيفة رمزية، فيما تُحسم القرارات الأساسية خارج الحدود.
وتستشهد بمؤتمرات بروكسل لتقديم الدعم لسوريا، وتقارير صندوق النقد الدولي، وتحليلات مراكز بحث مثل “كارنيغي” و“المجلس الأطلسي”، التي تربط بشكل واضح رفع القيود عن قطاع الطاقة بالتزام دمشق بالأجندة الغربية في ملفات المنطقة.
وفي هذا الإطار، يقرأ التقرير صمت الرئيس الشرع تجاه التطبيع العربي منذ 2020، والهجوم الإسرائيلي على غزة بين 2023 و2025، والتوسع العسكري في الجولان، بوصفه مؤشراً على قبول قواعد الاقتراع الإقليمي الجديد.
ويعيد التقرير التذكير بمقابلة أجراها الشرع عام 2021 مع برنامج “فرونتلاين”، قال فيها: “لسنا تهديداً للغرب… نريد علاقة متوازنة مع الجميع”، معتبراً أن مفهوم “التوازن” كما يطرحه الشرع يعكس قيداً مفروضاً لا خياراً سيادياً.
القضية الفلسطينية في الهامش: سوريا لا تريد “الانجرار”
تذكر الصحيفة أن خطاب الشرع الداخلي عام 2022، الذي أكد فيه أن سوريا “لن تجرّ إلى حروب تخدم أجندات خارجية”، بدا أقل ارتباطاً باستقلال القرار السوري وأكثر استجابة لتوقعات عواصم غربية وخليجية تطالب بتقييد نشاط الفصائل الفلسطينية في دمشق، خصوصاً تلك المرتبطة بإيران أو حزب الله.
ويرى التقرير أن هذا النهج ليس جديداً بالكامل، إذ لطالما وازنت سوريا بين الخطاب التضامني مع فلسطين وضرورات الدولة، لكن هذا التوازن يتخذ اليوم شكلاً مختلفاً، في ظل تحكم خارجي كبير في الملفات الحيوية.
تصعيد إسرائيلي وصعود الشرع:
يشير التقرير إلى أن مرحلة صعود الشرع إلى السلطة تزامنت مع تصعيد إسرائيلي واسع في سوريا أواخر 2024، استهدف الدفاعات الجوية والبنية التحتية الكهربائية وحقول الطاقة، ما أضعف قدرة دمشق على إعادة تشكيل قوة ردع فعالة.
ويضيف أن إسرائيل عززت في تلك الفترة انتشارها العسكري في الجولان وجبل الشيخ، فيما ترى واشنطن في الشرع “موازناً لإيران” يغني عن التدخل المباشر، وتتعامل مع العقوبات بطريقة انتقائية لخدمة الترتيبات السياسية الإقليمية.
كما يشير التقرير إلى أن تل أبيب تستثمر حالة الغضب الشعبي في السويداء لتعزيز النزعات الانفصالية وإضعاف الدولة المركزية، ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى إبقاء سوريا ضعيفة اقتصادياً وعاجزة عسكرياً.
خلاصة
يرى تقرير موندويس أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من التموضع السياسي، تُعاد خلالها صياغة دورها الإقليمي ضمن معادلة تتحكم فيها الولايات المتحدة و”إسرائيل” عبر أدوات اقتصادية وأمنية، في وقت يلتزم فيه الرئيس الشرع خطاباً متحفظاً تجاه قضايا كغزة والجولان، بما ينسجم مع هذه البنية الإقليمية المستجدة.
اقرأ أيضاً:لماذا تروّج إسرائيل لسيناريو “اليوم التالي لأحمد الشرع” في سوريا؟