أنقرة تعيّن نوح يلماز سفيراً في دمشق: خطوة جديدة لترسيخ النفوذ التركي في سوريا
في خطوة تحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية واضحة، أعلنت أنقرة تعيين نائب وزير خارجيتها نوح يلماز سفيراً جديداً لتركيا في دمشق، خلفاً للقائم بالأعمال برهان كور أوغلو، الذي تولّى مهامه بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي.
ويأتي هذا القرار في إطار تغييرات إدارية أوسع داخل وزارة الخارجية التركية، تعكس توجهاً متزايداً لدى أنقرة لتثبيت حضورها ونفوذها في الملف السوري، وسط صراع متعدد الأطراف تشارك فيه قوى إقليمية ودولية أبرزها “إسرائيل“ والولايات المتحدة وروسيا.
نوح يلماز: رجل الاستخبارات والملف السوري:
يُعد نوح يلماز من أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً محورياً في رسم السياسة التركية تجاه سوريا خلال السنوات الماضية. فقد شغل سابقًا مناصب أمنية حساسة في جهاز الاستخبارات التركي، قبل أن يتولّى رئاسة اللجنة التقنية التنسيقية، الذراع التنفيذية للمجلس الاستراتيجي الأعلى المعني بالملف السوري.
ويُعرف يلماز بعلاقاته الوثيقة مع السلطات السورية الانتقالية، منذ مرحلة سيطرة “هيئة تحرير الشام” على إدلب، ما يمنحه خبرة ميدانية ومعرفة عميقة بخريطة القوى السورية.
رسالة سياسية تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي:
رغم أن نقل نائب وزير الخارجية إلى منصب سفير خطوة نادرة في الأعراف الدبلوماسية التركية، إلا أن القرار يُظهر بوضوح رغبة أنقرة في تشديد قبضتها على الملف السوري، ومواجهة التمدد الإسرائيلي المتزايد في مناطق النفوذ داخل سوريا.
ويشير مراقبون إلى أن تركيا تسعى عبر هذه الخطوة إلى تعزيز موقعها في المعادلة الإقليمية الجديدة التي تتشكل على الأراضي السورية، بدعم غير مباشر من الولايات المتحدة، التي تعمل من جانبها على خلق توازن في البلاد من خلال مبعوثها الخاص، توماس براك، الذي يشغل أيضًا منصب سفير واشنطن في أنقرة.
بين قسد و”إسرائيل”: الملفان الأكثر حساسية لتركيا:
تأتي الخطوة التركية في وقت تواجه فيه أنقرة تحديات معقدة على جبهتين أساسيتين:
ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذي يشهد توتراً متزايداً عقب تعثر تطبيق اتفاق 10 آذار بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي.
النفوذ الإسرائيلي المتنامي، والذي فرض خطوط تماس واضحة تحد من تمدد تركيا جنوبًا، بعد أن تعرّضت قاعدة عسكرية تركية في ريف حمص لقصف إسرائيلي في نيسان الماضي.
ويرى مراقبون أن تعيين يلماز جاء قبل نهاية العام الحالي لتكثيف الضغوط على “قسد”، سواء عبر التهديد بعمليات عسكرية جديدة أو من خلال تحريك جبهات القتال كما حدث مؤخراً في ريف دير الزور الشرقي، إضافة إلى مناطق حلب وسد تشرين.
خلفية وخبرة دولية:
يمتلك السفير الجديد نوح يلماز، البالغ من العمر 49 عامًا، خبرة سياسية وأكاديمية واسعة؛ فقد أدار مكتب مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA) في واشنطن بين عامي 2008 و2011، وشارك في برامج تدريبية في كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو.
كما يحمل يلماز دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة يلدريم بيازيد، ويتقن اللغتين العربية والإنجليزية، ما يمنحه قدرة إضافية على التواصل المباشر مع مختلف القوى السورية والإقليمية.
نحو إعادة هندسة النفوذ التركي في سوريا:
يأتي هذا التعيين في وقتٍ تحاول فيه تركيا استثمار التحولات السياسية والدبلوماسية الجارية في سوريا، خاصة مع اتجاه الولايات المتحدة إلى رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على بعض المسؤولين السوريين الانتقاليين، بمن فيهم أحمد الشرع.
ومن شأن هذا الانفتاح أن يتيح لأنقرة مجالاً أوسع للاستثمار الاقتصادي في الداخل السوري، حيث بدأت الشركات التركية بالفعل في التوسع داخل الأراضي السورية.
ورغم تعقيد المهمة، يُتوقع أن يكون نوح يلماز أحد أبرز الفاعلين في إعادة تشكيل المشهد السوري خلال المرحلة المقبلة، بما يتماشى مع الرؤية التركية لإعادة هندسة الدولة السورية بما يخدم مصالحها الأمنية والسياسية.
إقرأ أيضاً: تركيا تخطط لنشر أسلحة متطورة في شمال سوريا لتعزيز قدرات الجيش السوري
إقرأ أيضاً: هاجس إسرائيلي من صعود الدور التركي في سوريا: محور سني جديد