تطبيقات النقل الذكية تغيّر مشهد المواصلات في سوريا: بين غضب السائقين ورضا المستخدمين
تشهد المدن السورية خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا لافتًا في مشهد النقل والمواصلات، مع انتشار تطبيقات النقل الذكي التي وفّرت بديلاً عن سيارات الأجرة التقليدية، وصولًا إلى مشروع “إلكترو تاكسي”، الذي يُعد أول تجربة للنقل الكهربائي في سوريا.
هذه التطبيقات التي انطلقت أولًا في دمشق واللاذقية، لم تعد مجرد خدمات حديثة، بل أصبحت ظاهرة اجتماعية واقتصادية تعيد تشكيل طرق التنقّل وأنماط العمل في البلاد.
تحوّل في الشارع السوري:
خلال وقتٍ قصير، بات “الطلب عبر التطبيق” خيارًا يوميًا للمواطنين، إذ يمكن حجز السيارة خلال دقائق وبسعر يقل أحيانًا عن نصف أجرة التاكسي العادي.
لكن في المقابل، يعيش سائقو التاكسي الأصفر حالة من التذمر والقلق، معتبرين أن التكنولوجيا “سرقت رزقهم بهدوء”، فيما يرى المواطنون أن هذه الخدمات تمثل متنفسًا وسط الأزمة المعيشية الخانقة.
غضب السائقين: “التطبيق سرق رزقنا”:
يقول أبو وائل، وهو سائق تاكسي منذ أكثر من 20 عامًا، إن دخله انخفض إلى النصف تقريبًا بعد تراجع الطلب على سيارات الأجرة في الشوارع.
ويضيف: “الناس ما عاد توقف بالشارع، الكل صار يطلب السيارة من التطبيق، ونحن عم نشتغل على العمياني، البنزين غالي والزحمة بتاكل الوقت”.
السائق أبو علي، وهو أب لأربعة أولاد، يعبّر عن غضبه قائلًا: “نحنا مندفع ضرائب ورسوم وتأمين، وهم بيشتغلوا بسياراتهم الخاصة وبيقدموا خدمة أرخص. كيف بدنا ننافس؟ وكيف بدنا نعيش ولادنا؟”.
حتى الآن، لم تبدأ وزارة النقل السورية بتنظيم عمل هذه التطبيقات قانونيًا، رغم أن عدد الشركات التي تقدم الخدمة في البلاد يُقدّر بنحو عشر شركات.
رضا المستخدمين: “الخدمة أرخص وأكثر أمانًا”:
على الجانب الآخر، يبدي المستخدمون رضاهم الكبير عن هذه الخدمات التي يرونها أكثر راحة وأمانًا.
تقول رهف سليمان لموقع “الحل نت”: “بدل ما واقف نص ساعة أستنّى تاكسي، بضغطة زر بتجي السيارة لعندي، والسعر أوفر من التاكسي العادي”.
بينما يرى طارق حمزة، طالب جامعي في دمشق، أن التطبيقات “آمنة وموثوقة”، لأن: “كل شي موثّق بالتطبيق: اسم السائق، السيارة، المسار والسعر… ما في خوف ولا نقاش بالأجرة”.
وتشترط الشركات معايير محددة لقبول السائقين، تتعلق بسلامة السيارة وحداثتها، والسلوك المهني، مقابل عمولة تتراوح بين 10 و15 بالمئة.
انعكاس للأزمة الاقتصادية:
يرى المحلل الاقتصادي حسام الخطيب أن انتشار تطبيقات النقل في سوريا “ليس مجرد تطوّر تقني، بل انعكاس مباشر للأزمة الاقتصادية”.
ويقول: “المستخدمون يبحثون عن الأرخص والأسرع، والسائقون يحاولون البقاء، بينما وجدت التطبيقات مساحة لتقدم حلًا مؤقتًا وسط فوضى المعيشة”.
التكنولوجيا تغيّر نمط الحياة اليومية:
لم يقتصر تأثير هذه التطبيقات على النقل فقط، بل شمل نمط المعيشة، إذ باتت وسيلة لتوفير المال وتنظيم الوقت.
يقول الموظف سامر عبدو: “كنت أدفع 70 ألف ليرة للتاكسي، واليوم بدفع 30 ألف عبر التطبيق، والسيارة بتوصلني للباب”.
أما مها الخطيب، أم لطفلين، فتؤكد أن التطبيقات وفرت لها راحة وأمانًا أكبر: “بطلب السيارة لتوصل ولادي للدروس وبراقب الرحلة على الخريطة، هيك بكون مطمنة أكتر”.
النساء أيضًا وجدن في التطبيقات مساحة أمان جديدة، كما تقول رنا الحمصي: “اليوم بطلب السيارة من التطبيق حتى لو تأخرت بالليل، بعرف رقم السيارة والسعر مسبق، وبحس بأمان أكتر”.
من الشارع إلى الشاشة:
تحولت شوارع دمشق والمدن السورية من مشهد “التلويح باليد” لطلب التاكسي، إلى ضغطة زر على الهاتف الذكي. وباتت المنافسة اليوم بين التاكسي التقليدي والتطبيق الإلكتروني، وبين الشارع والشاشة.
فهل نحن أمام ثورة نقل حقيقية في سوريا؟ أم مجرّد ظاهرة مؤقتة قد تتراجع مع أول عثرة تنظيمية أو اقتصادية؟
ما هو مؤكد أن المدينة السورية تغيّرت فعلاً، لم تعد الحركة تبدأ من الإشارة، بل من لمسة إصبع.
إقرأ أيضاً: ارتفاع جديد في أسعار المحروقات في سوريا بعد تعديل سعر الصرف لدى سادكوب
إقرأ أيضاً: رئيس جمعية الصاغة: ارتفاع الذهب في سوريا بسبب الدولار.. والطلب يتجه للمدخرات