بين مؤونة الشتاء وفتح المدارس: أعباء مضاعفة تخنق الأسر السورية
مع حلول الخريف، يجد السوريون أنفسهم أمام اختبار قاسٍ يثقل كاهلهم أكثر من أي وقت مضى: تأمين مؤونة الشتاء في ظل الغلاء الفاحش، والاستعداد لبداية العام الدراسي بتكاليفه المتزايدة. موسمان يفترض أن يكونا مصدر طمأنينة وأمل، تحوّلا إلى عبء يرهق العائلات، ويفرض عليها معادلات صعبة بين الطعام والتعليم.
يقول كثير من السوريين إن تقليد تجهيز المؤونة الذي ارتبط طويلاً بالذاكرة الشعبية، بات اليوم رفاهية لا يقدرون عليها. ميساء زينو (45 عاماً) من ريف اللاذقية، تتذكر بمرارة أيام ما قبل الحرب حين كان إعداد المؤونة مناسبة عائلية مبهجة، فتروي: “كنا نجهّز أكثر من 70 كيلوغراماً من البندورة نحفظها للشتاء، أما اليوم فلا أستطيع سوى 20 كيلوغراماً. اضطررنا للاستغناء عن دبس الرمان والكشك والمكدوس رغم حاجتنا إليها”.
منى صعيدي، ستينية من جبلة، تشير إلى بضع عبوات قليلة على رفوف صغيرة في منزلها، وتقول: “سابقاً كانت لدينا غرفة مؤونة كاملة؛ الطحين، البندورة، الزيت، المكدوس، وحتى الفواكه المجففة. الآن بالكاد نشتري بالأوقية. هذا الجيل لم يعد يعرف شيئاً عن تلك العادات التي كانت تلمّ شمل العائلات والجيران”.
لكن الضغوط لا تقف عند حدود المؤونة. بداية العام الدراسي باتت عبئاً ثقيلاً آخر، إذ تتجاوز التكاليف القرطاسية والحقائب لتشمل الكتب والدروس الخصوصية وحتى النقل اليومي. مازن الحلبي، أب لثلاثة أطفال من ريف إدلب، يعبّر عن الحيرة التي يعيشها كثيرون: “إما أن أشتري لأولادي لوازم المدرسة، أو أوفر الطحين والزيت. المؤونة أصبحت من الماضي”.
وللتخفيف من الأعباء، تلجأ بعض العائلات إلى “التدوير”. ياسر غزال (50 عاماً)، أب لأربعة أطفال، يقول: “نستخدم أغلفة كتب العام الماضي، نرقّع الحقائب الممزقة، ونشتري أرخص الأدوات فقط لتسد الحاجة. الراتب لا يكفي عشرة أيام”. أما مروان طوقتلي من طرطوس، فيؤكد أن دخله الشهري لا يتجاوز مائة دولار، بالكاد يغطي المصاريف الأساسية.
في المقابل، تحاول أسر أخرى تحويل موسم المؤونة إلى فرصة اقتصادية. سعاد صعيدي (39 عاماً) تعمل مع بناتها على قطف أوراق الملوخية وتجفيفها وبيعها للعائلات، وتقول إن الإقبال على منتجاتها ازداد رغم الضائقة الاقتصادية، إذ لم يعد كثيرون قادرين على تجهيز مؤونتهم بأنفسهم.
وبين رفوف المؤونة الفارغة وحقائب مدرسية متهالكة، تستمر العائلات السورية في مواجهة معادلة صعبة: كيف تجمع بين الحفاظ على أبسط تقاليدها الغذائية وضمان تعليم أبنائها، في ظل واقع معيشي يزداد قسوة عاماً بعد عام.
اقرأ أيضاً:أزمة التعليم تتفاقم: اكتظاظ، أوراق ناقصة، ولباس مدرسي يثقل كاهل العائلات