“أيلول وتشرين موّن لعيالك، وشيل الهم عن بالك” مثل شعبي كان السوريون يستخدمونه في وصف علاقتهم مع “المونة”، وهي تحضير العديد من الأصناف والمأكولات التي يتم ادخارها، وهي طقس أو عادة اعتادها السوريون لمساندتهم في تخفيف الأعباء المادية في الشتاء.
وقبيل سنوات عديدة من الآن، كانت مسألة تحضير “المكدوس” وباقي مستلزمات المنزل من “لبنة” أو ملوخية وغيرها من المأكولات ليست بالأمر الجلل، فالأسعار لم تكن بوطأة ما هي عليه اليوم، حيث تحولت “المونة” من دواءٍ إلى داءٍ أصاب جيوب السوريين، وصارت أمراً تحسب له العوائل ألف حساب.
وأثناء جولتنا في إحدى أسواق العاصمة، لمعرفة تكاليف “المكدوس” و”الملوخية” مع اقتراب موسم “التموين”، ترددت على لسان الذين التقيناهم في المحال جملة “الله يرحم أيام زمان” حيث تراجعت كمية المونة بالنسبة للعائلة الواحدة، وكثير من العوائل تخلت عنها تماماً، فيما لم تستطع عوائل أخرى التخلي بشكل كامل وحافظت على وجودها ولو بكميات أقل، حتى صارت في كثير من الأوقات “قضاء شهوة”.
ووصفت الأسعار “بالكاوية” ما قلل نسبة الإقبال على شراء كميات كبيرة كما كان يفعل الكثير من الناس سابقاً، خصوصاً وأن تكاليفها المرتفعة لم تعد تتناسب مع حجم الدخل، وكذلك تزامنها مع موسم بدء المدارس والحاجة إلى تأمين مستلزمات العام الدراسي الجديد، وهو الآخر تكاليفه تفوق طاقة كثيرين.
وانطلاقاً من أيام زمان أي منذ عام 2010 وما قبل تضخمت الأسعار بشكل هدد جيب المواطن و “برّاده” والمعادلة التي لم يستطع المواطن إلى هذه اللحظة أن يستوعبها هي كمية التضخم، حيث بلغت تكلفة 50 كيلو غرام من “المكدوس” الجاهز بشكل وسطي 700 ألف ليرة هذا العام ووصلت تكلفة “المكدوسة” الواحدة تقريباً إلى نحو 5000 ليرة بحساب تكلفة الباذنجان والفليفلة والزيت والجوز والثوم والغاز، أما في عام 2010 فقد كانت كلفة الكمية نفسها قرابة 2500 ليرة وسعر المكدوسة قرابة 4 ليرات، وبحسابات قام بها “داما بوست” وصلت نسبة التضخم “للمكدوسة” الواحدة بالمئة إلى 125000.
وبالنسبة “للملوخية” فقد بلغ سعرها خضراء اليوم 7500 ليرة للكيلو الواحد، أما “اليابسة” فوصلت إلى 60 ألف ليرة سورية، وتحتاج العائلة السورية المكونة من 5 أشخاص إلى 2 كيلو منها، أي ما يعادل 10 كيلو من الملوخية الخضراء، وبالعودة إلى عام 2010 بلغ سعر الملوخية الخضراء ما يقارب 20 ليرة وأما اليابسة بلغ بشكل وسطي بين 150 و200 ليرة، أما نسبة التضخم بلغت للخضراء 37400% واليابسة 32400%.
علاوة على هذه الأرقام والتضخم تحولت غرفة المونة إلى “صندوق” يتسع لبعض المأكولات، بعد أن تم حذف الكثير منها مثل “القريشة” و”الشنكليش” والمربيات والأجبان وغيرها، التي صار تأمينها هدف يصعب تحقيقه في ظل التغييرات شبه اليومية على الأسعار، وانقطاع الكهرباء الذي أدى بشكل أو بآخر إلى إلحاق الضرر بالمونة وجعل المواطن بين نارين، أولهما الحاجة لها وثانيهما الخوف من “فسادها” وبالتالي اضطراره على التخلص منها.