وقف استيراد منتجات زراعية في سوريا: حماية للمنتج المحلي أم عامل لارتفاع الأسعار؟
أثار قرار اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير القاضي بوقف السماح باستيراد عدد من المنتجات الزراعية خلال كانون الثاني 2026، تساؤلات واسعة حول تأثير هذه السياسة على الأسواق المحلية، ولا سيما على مستوى الأسعار وتوفر السلع للمستهلكين.
وجاء القرار، الصادر في 24 كانون الأول الجاري، ليشمل مجموعة واسعة من المنتجات، أبرزها البطاطا، البندورة، الملفوف، القرنبيط، الجزر، الخس، الليمون، الحمضيات، الفريز، البيض، زيت الزيتون، إضافة إلى الفروج الحي والطازج والمجمد وأجزائه. وبررت اللجنة القرار بأنه يستند إلى “الرزنامة الزراعية” المعدّة مسبقًا، وإلى متابعة واقع الأسواق المحلية، بهدف حماية المنتج الوطني.
ويأتي هذا الإجراء استكمالًا لقرار مشابه صدر في 2 كانون الأول الحالي، قضى أيضًا بوقف استيراد عدد من المنتجات الزراعية خلال الشهر نفسه، في إطار سياسة متكررة تعتمدها السلطات لتنظيم الاستيراد بما يتوافق مع مواسم الإنتاج المحلي.
دعم الإنتاج المحلي
ترى أوساط اقتصادية أن قرارات وقف الاستيراد تهدف أساسًا إلى حماية المزارعين والمربين المحليين من المنافسة الخارجية، وتأمين تصريف إنتاجهم خلال فترات الذروة. وفي هذا السياق، اعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حماة والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن محمد أن القرار يمثل خطوة تحفيزية للقطاع الزراعي، تسعى إلى تحقيق توازن بين حماية المنتج المحلي وتلبية احتياجات المستهلك.
وأوضح محمد، في حديث صحفي، أن نجاح هذه السياسات مرهون بقدرة الإنتاج المحلي على تغطية الطلب الداخلي من حيث الكمية والجودة والسعر. وبيّن أن دوافع القرار تتمثل في دعم الزراعة الوطنية، وتنظيم العرض في السوق خلال مواسم الإنتاج، والحد من استنزاف القطع الأجنبي عبر استيراد سلع متوفرة محليًا.
وأشار إلى أن للقرار أهمية استراتيجية لعدة أسباب، من بينها تقليل المنافسة الخارجية أمام المنتج المحلي، والالتزام بالتخطيط الزراعي الموسمي، ومراقبة حركة الأسواق، إضافة إلى تعزيز مفهوم الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد في السلع الأساسية.
وتوقع محمد أن تسهم هذه القرارات في تحقيق استقرار نسبي بالأسعار، مع احتمال حدوث نقص مؤقت في بعض المواد في حال عدم كفاية الإنتاج المحلي، ما يستدعي جاهزية القطاع الزراعي لزيادة الإنتاج وتحسين الجودة لتلبية الطلب الداخلي.
ارتفاع الأسعار ومخاوف المستهلكين
في المقابل، لاحظ مستهلكون ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الخضار والحمضيات خلال فترات وقف الاستيراد، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول العلاقة بين هذه القرارات وغلاء الأسعار المتكرر.
أمين سر جمعية حماية المستهلك، الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة، رأى أن سياسة وقف الاستيراد تُطبّق بشكل متقلب، وغالبًا ما تتزامن مع مواسم الإنتاج المحلي بهدف حمايته، إلا أنها، بحسب رأيه، لم تحقق النتائج المرجوة، بل انعكست سلبًا على الأسواق.
وأوضح حبزة أن ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي، في ظل غياب الدعم الحقيقي للمزارعين والمربين، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومبيدات وطاقة، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، كلها عوامل تحول دون انخفاض الأسعار. وعلى العكس، تشهد الأسواق ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار دون أن يلمس المستهلك أثرًا إيجابيًا واضحًا لقرارات وقف الاستيراد.
كما حذّر من أن هذه السياسات قد تؤدي أحيانًا إلى نشوء حالات احتكار، لا سيما للمواد القابلة للتخزين، حيث تستفيد حلقات وسيطة من تجار الجملة ونصف الجملة، بينما لا ينعكس ذلك بشكل عادل على المزارع أو المستهلك، الذي يبقى الحلقة الأضعف في سلسلة التسويق.
وأشار حبزة إلى أن الاستيراد، في المقابل، يسهم عادة في زيادة العرض وخلق منافسة في السوق، ما يساعد على استقرار الأسعار أو انخفاضها، بينما يؤدي المنع غالبًا إلى رفعها.
أسباب عدم انخفاض الأسعار
من جانبه، أرجع الدكتور عبد الرحمن محمد عدم انخفاض الأسعار رغم وقف الاستيراد إلى عدة عوامل، أبرزها عدم كفاية الإنتاج المحلي لتغطية الطلب، وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الجفاف وغلاء المدخلات الزراعية، إضافة إلى وجود احتكارات أو شبه احتكارات تتحكم بسلاسل التوريد، فضلًا عن تأخر انعكاس القرارات بسبب وجود مخزونات سابقة من السلع المستوردة.
تراجع إنتاج الحمضيات
في سياق متصل، كان مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، حاتم مجر، قد أشار في تصريحات سابقة إلى انخفاض إنتاج الحمضيات بنسبة 38.2% مقارنة بمتوسط إنتاج السنوات العشر الماضية. وعزا ذلك إلى موجات الحر التي تزامنت مع فترة الإزهار، إضافة إلى أسباب اقتصادية تتعلق بتراجع الجدوى المالية للزراعة خلال السنوات السابقة، ما دفع بعض المزارعين إلى استبدال الحمضيات بمحاصيل أكثر ربحية.
وأوضح مجر أن الجفاف وانخفاض منسوب المياه في السدود أثّرا بشكل مباشر على الإنتاج، إلا أن تحسن الأسعار هذا الموسم، وارتفاعها بنحو 120% لبعض الأصناف مقارنة بالموسم الماضي، شجّعا عددًا من المزارعين على العودة للاهتمام ببساتينهم.
اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير
تُعد اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير هيئة أُنشئت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 263، الصادر عن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع. وتختص اللجنة بدراسة وإقرار مقترحات السماح أو المنع لإدخال البضائع إلى البلاد، وإدارة القوائم السلبية للاستيراد والتصدير، وإصدار القرارات التفسيرية المتعلقة بالسياسة الاقتصادية في هذا المجال.
وتتألف اللجنة من ممثلين عن وزارات المالية والاقتصاد والزراعة والإدارة المحلية، إضافة إلى الهيئة العامة للمنافذ والجمارك، وتعقد اجتماعاتها دوريًا أو عند الحاجة، مع إمكانية الاستعانة بخبراء دون حق التصويت.
وبينما تستمر هذه السياسات في إطار تنظيم الاستيراد ودعم الإنتاج المحلي، يبقى تأثيرها على الأسعار وتوازن السوق محل نقاش واسع بين الخبراء والمستهلكين، في ظل التحديات الاقتصادية والإنتاجية التي تواجه القطاع الزراعي السوري.
اقرأ أيضاً:سوق الذهب في سوريا يعاني الركود… نقص في المشغولات وتراجع في الإنتاج