خريجو كليات الصيدلة في سوريا: شهادة علمية بلا مستقبل مهني
رغم سنوات الدراسة الطويلة التي يقضيها الطلاب في كليات الصيدلة، يجد خريجو هذه التخصصات أنفسهم اليوم أمام واقع مهني صارم، حيث يقتصر الخيار على العمل كمندوبي مبيعات لشركات الأدوية، في مهنة لا تعكس التخصص الصحي الذي درسوه، وتقوم بشكل أساسي على الأرقام والأهداف البيعية، بعيدًا عن المعرفة العلمية والبعد الصحي للصيدلة.
وتأتي هذه الظاهرة نتيجة انسداد شبه كامل في فرص العمل ضمن الصيدليات أو القطاع الصحي المنظم، إلى جانب فائض كبير في أعداد الخريجين، وغياب سياسات واضحة لتنظيم المهنة وحماية خريجيها. ما يجعل قبول أي فرصة متاحة، حتى لو كانت بعيدة كليًا عن التخصص، شبه حتمي.
دوام مرهق وضغوط مستمرة
يبدأ يوم مندوب الأدوية غالبًا في ساعات الصباح الباكر، ولا ينتهي عند وقت محدد، مع تنقل مستمر بين العيادات والصيدليات، ومحاولات مستمرة لعرض المنتجات الطبية، مع مواجهة يومية للرفض أو التجاهل، وسط ضغط دائم لتحقيق الأهداف الشهرية، التي تحدد استمرار المندوب في العمل أو فقدانه له.
محمد.ع، خريج كلية الصيدلة، قال لـ “الحل نت” إن عمله كمندوب أدوية مرهق جدًا، ويضيف: “درسنا الصيدلة لنكون فاعلين في المجال الصحي، لا لنتوسل للطبيب أن يستمع لنا لدقيقتين. كل يوم هناك ضغط أرقام، وإذا لم تحقق المبيعات تشعر بخطر الفصل، الراتب الأساسي ضعيف وكل شيء مرتبط بالعمولة”.
وأشار محمد إلى أن ساعات العمل غالبًا ما تمتد حتى المساء، مع تكاليف مواصلات يتحملها المندوب بنفسه، ما يزيد العبء اليومي.
رانيا.س، خريجة صيدلة وتعمل مندوبة منذ عامين، تحدثت عن شعور الخريجين بالخذلان المهني، قائلة: “المشكلة ليست التعب فقط، بل الإحساس أن شهادتك أصبحت عبئًا، وبعض الأطباء والصيادلة يتعاملون بدونية، وكأنك مجرد بائع، مع أنك دارس نفس العلم، وأحيانًا أكثر، لكن سوق العمل فرض هذا الدور علينا”.
الشهادة خارج سياقها المهني
تحول الصيدلي إلى مندوب مبيعات يعكس أزمة أوسع تتعلق بالهوية المهنية، حيث أصبح الدور الصحي والعلمي للخريج ثانويًا أمام واجب الترويج التجاري.
الدكتور أحمد غزال، طبيب غدد صماء، قال لـ “الحل نت”: “قبل كان يمر عليّ مندوب أو اثنان في الفترة، لكن الآن في اليوم الواحد يمر عليّ أكثر من عشرة مندوبي أدوية، وغالبًا لا أتمكن من الاستماع للجميع”.
ورغم الجهد المبذول، يعتمد دخل المندوب بشكل رئيسي على العمولات، ما يجعل الاستقرار المالي شبه مستحيل، خاصة في ظل تقلبات السوق وتراجع القدرة الشرائية والمنافسة الشديدة بين المندوبين.
سمر.د، مندوبة مبيعات، أوضحت: “شهر تتقاضى راتبًا جيدًا، وشهر آخر لا يغطي مصروفك، وكل شيء مرتبط بعوامل خارج سيطرتك، مثل توقف الطبيب عن وصف دواء أو تغيير سياسة الشركة”.
وأضافت أن غياب الأمان الوظيفي يجعل التخطيط للمستقبل أمرًا صعبًا، سواء على مستوى الزواج أو الاستقرار الشخصي أو حتى التفكير بترك المهنة.
ما المطلوب لمعالجة الأزمة؟
وسط هذا الواقع، يجد خريجو كليات الصيدلة أنفسهم محاصرين بين شهادة علمية لا تفتح أبواب العمل، ومهنة لم يختاروها، في ظل غياب حلول جذرية تحافظ على دور الصيدلي الصحي.
ويرى خبراء ومختصون أن المطلوب:
-
تفعيل الرقابة الحكومية على شركات الأدوية وأصحاب العمل للالتزام بالقوانين المعمول بها وتشجيع الاستثمار في صناعة الأدوية لتوفير فرص عمل حقيقية.
-
إعادة دراسة آليات القبول في كليات الصيدلة واستحداث اختصاصات حديثة تواكب احتياجات سوق العمل، بما يقلل من فائض الخريجين في تخصصات مشبعة.
-
تفعيل دور نقابة الصيادلة في تنظيم العمل ومراقبة القطاع، بما يحفظ حقوق الخريجين ويضمن لهم مسارًا مهنيًا حقيقيًا يعكس تخصصهم العلمي والصحي.
بدون هذه الإصلاحات، سيبقى خريجو الصيدلة في سوريا أمام واقع مرهق، حيث تتحول شهادتهم العلمية إلى بطاقة دخول إلى سوق عمل لا يعكس طبيعة دراستهم ولا دورهم الصحي في المجتمع.
اقرأ أيضاً:حليب الأطفال في سوريا… ضرورة تتحول إلى عبء ثقيل في ظل الأزمة المعيشية