في صباح يومٍ غير عادي، وعلى وقع صرخات احتفال وتكبير، صدحت شاشات الإعلام العربي والعالمي بالإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد، ليبدأ السوريون مرحلةً دون استبداد طالما انتظروها. العاصمة دمشق شهدت احتفالات متواصلة لعدة أيام، حيث نزل الكثير من المواطنين إلى الشوارع، يملؤهم شعورٌ بالأمل ليحتفلوا بنهاية عهدٍ وبداية عهدٍ جديدٍ ينتظرهم.
لكن، مع مرور الأيام، بدأت تظهر الحقيقة المُرة التي لم يكن المواطن السوري قد توقعها. الوعود التي أُطلقت عن تحسين الأوضاع الاقتصادية، وزيادة الأمن، وتحقيق العدالة، تحولت إلى سراب. كلمات من نوع “قبل السقوط كنا هيك.. وكلمات ممكن إذا تحدثنا بهم أن يتهموننا بفلول وأيتام الأسد” سُمعت على ألسنة الكثيرين، وهو ما يشير إلى حجم اليأس الذي أصاب المواطنين اليوم، في ظل الوضع الأمني المتردي في مناطق واسعة إضافة إلى المعيشة الصعبة في جحيم الفقر والبطالة.
عامٌ من السقوط: كيف تحولت الأحلام إلى كوابيس؟
مع اقتراب انتهاء عام كامل على سقوط النظام السابق، يشهد الواقع السوري تدهورًا اقتصاديًا غير مسبوق. وعلى الرغم من الثورة والوعود التي تبعتها، فإن حال المواطن السوري اليوم لا يختلف كثيرًا عما كان عليه في عهد النظام السابق. الملايين من المواطنين باتوا تحت خط الفقر، وأصبحوا يعانون للحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية.
في حديثٍ لشبكة “داما بوست” مع أحد المواطنين الذي عمل سابقًا في كضابط في وزارة الدفاع أخبرنا عن مأساة شخصية له ولعائلته: “لم أتلقَ راتبي منذ أحد عشر شهرًا، وأنا الآن بلا أي دخل ثابت”. هذا المواطن، الذي تقاعد من الجيش السوري في عام 2012، أشار إلى أن هذه الأزمة لا تخصه وحده، بل تشمل أيضًا الآلاف من وزارتي الدفاع والداخلية ممن تقاعدوا من الجيش بعد عام 2011 قائلا لنا :أصبحنا نعيش على المساعدات من الجمعيات الخيرية أو من أقاربنا…
الغلاء الفاحش: حرب أخرى ضد المواطن السوري:
برغم الوعود العديدة التي أطلقتها الحكومة بعد سقوط النظام السابق، لم تتحسن الأحوال، بل تدهورت بسرعة. أصبح الكثير من السوريين عاجزين عن دفع تكاليف الحياة اليومية، بما في ذلك تكاليف الخدمات الأساسية.
الأسعار في جميع القطاعات شهدت زيادات غير مسبوقة. أسعار الكهرباء كانت من أبرز الأمثلة، إذ ارتفع سعر الكيلو واط بشكل جنوني من 10 ليرات إلى 60ضعف . يقول أحد المواطنين: “كانت فاتورة الكهرباء في السابق لا تتجاوز الـ 15,000 ليرة، أما اليوم فقد تصل إلى أكثر من مليون ليرة”. وأوضح أنه في حال استمر هذا الارتفاع، سيكون من المستحيل دفع فاتورة الكهرباء، مما سيؤدي إلى قطع التيار الكهربائي عن منزله بشكل نهائي. كيف يمكن للمواطن العادي أن يواجه هذه الزيادات؟
الإنترنت: عبء إضافي على المواطن السوري:
بعد صدمة ارتفاع أسعار الكهرباء، أطلت شركتا الاتصالات الخليوية “سيرياتل” و”MTN” بإعلان آخر، تمثل في زيادة أسعار باقات الإنترنت. الشركة بررت هذه الزيادة بكون الخدمة كانت سيئة، وأن رفع الأسعار ضروري لتحسين الجودة. لكن الحقيقة أن هذه الزيادات أصبحت عبئًا إضافيًا على المواطنين الذين يعانون بالفعل من صعوبة تأمين أبسط احتياجاتهم.
أنا صحفية، وكنت أستفيد من باقة الصحفيين التي كانت تكلفني 20,000 ليرة (أقل من 2 دولار). لكن بعد الزيادة الأخيرة، أصبح سعر باقتي الجديدة 135,000 ليرة (أكثر من 13 دولارًا)، أي أن التكلفة ارتفعت بنسبة كبيرة، ما يجعل من الصعب تحملها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
طالب جامعي في دمشق قال لـ “داما بوست” إنه كان يستخدم الإنترنت للتواصل مع عائلته ولإتمام مشاريعه الدراسية، ولكن بعد الزيادة الأخيرة أصبح عاجزًا عن تأمين تكلفة الباقات. يقول: “أذهب إلى الجامعة سيرًا على الأقدام لتوفير ثمن المواصلات لوالدي المتقاعد، فكيف لي أن أتحمل هذا المبلغ فقط للإنترنت؟”
أزمات لا تنتهي: من الأمن إلى الخدمات الأساسية:
ولعل أكثر ما يفتقده المواطن السوري اليوم هو الأمان الذي انعدم بشكل كامل والذي يشكل تهديدًا حقيقيًا للمواطن السوري. فرغم تحسن الوضع في بعض المناطق، لا تزال العديد من المدن والبلدات تشهد توترات أمنية مستمرة.
المواطنون في المناطق الساخنة لا يشعرون بالأمان، حتى في المناطق التي يُفترض أنها مستقرة. ويضيف أحدهم خلال حديثه لـ “داما بوست”: “لا نشعر بالأمان في أي مكان، نعيش في خوف دائم من الاعتقالات أو التصفيات. نحن لا نعلم من سيتعرض للمأساة القادمة مع ازدياد حالات خطف النساء من مناطق معينة وتنصل السلطة الحالية من مسؤوليتها تجاه حماية هؤلاء النسوة وعدم الاعتراف بحقيقة تغييبهن وخطفهن مما اضطرني إلى إيقاف دوام ابنتي في الجامعة لهذا العام … ”
أما القطاع الصحي، فقد شهد تدهورًا كبيرًا، إذ تفتقر المستشفيات العامة إلى الأدوية والمعدات اللازمة لعلاج المرضى. في بعض المناطق، يُجبر المرضى على التوجه إلى العيادات الخاصة التي لا يستطيع معظم الناس تحمل تكاليفها.
القطاع التعليمي أيضًا يعاني من تراجع كبير، إذ أصبحت معظم المدارس بيئات غير ملائمة للتعليم بسبب نقص الكتب المدرسية، ونقص المعلمين، وارتفاع عدد الطلاب في الفصول الدراسية.
مأساة تتعمق:
بعد اقترابنا من نحو عام على سقوط النظام السابق، نجد أن الوضع المعيشي في سوريا لا يزال في تدهور مستمر. أسعار الخدمات الأساسية والسلع ترتفع بشكل مستمر، وتزيد معها معاناة المواطنين الذين أصبحوا يعانون من البطالة والفقر. والسلطة الانتقالية التي حلت محل نظام بشار الأسد، لا زالت تعجز عن تقديم حلول فعّالة.
هل كانت الثورة فعلاً بداية النهاية للاستبداد؟ أم أنها كانت بداية لمأساة جديدة، استمرت فيها معاناة الشعب السوري حتى بعد سقوط الأسد؟ الواقع يجيب أن الأمل قد خاب، والواقع مرير، ولا يبدو أن هناك أفقًا قريبًا للتحسن.
إقرأ أيضاً: ارتفاع الأسعار في سوريا يلتهم زيادة الرواتب ويُبقي الأزمة المعيشية قائمة
إقرأ أيضاً: زيادة أسعار الكهرباء في سوريا… واقع مرير وأزمات متتالية