محمد حبش: اللامركزية الإدارية هي الطريق الأنجع لمنع الاستبداد

يرى المفكر الإسلامي ورئيس مركز دراسات الإخاء الإنساني الدكتور محمد حبش أن سوريا اليوم بحاجة إلى حلول واقعية تتجاوز الانقسام السياسي والديني، وتستند إلى قيم العدل والمواطنة والحرية. وفي حوارٍ موسّع، دعا حبش إلى إعادة الاعتبار للفقه الإسلامي كفضاء للتنوّع والاجتهاد، لا كمصدر للتشدد والانغلاق، معتبرًا أن اللامركزية الإدارية تمثل “الدواء الأنجع” لمنع الاستبداد وإعادة الثقة بين السوريين.

كما شدد على أن الأزمة الراهنة تتطلب انتقالًا فكريًا من “قداسة الماضي إلى قداسة المستقبل”، ورؤية دينية تُعلي من قيم الإخاء والتسامح بين الأديان والمذاهب.

الفقه والشريعة.. تمايز ضروري

يفصل حبش بين الشريعة بوصفها نصوصًا إلهية ثابتة، والفقه باعتباره اجتهادًا بشريًا متغيرًا، مؤكدًا أن التراث الفقهي الإسلامي واسع ومرن، ويحتوي الشيء ونقيضه، ما يجعل طريقة التعامل معه انعكاسًا لعقلية المنتقي.

وفي هذا السياق، يدعو إلى قراءة الفقه بروحٍ نقدية منفتحة تراعي مقاصد الشريعة لا حرفيتها، وتحفظ التعدد الفكري ضمن الإطار الديني العام.

مجلس الشعب الجديد “هيئة انتقالية” لا برلماناً منتخباً

سياسيًا، عبّر حبش عن تشاؤمه من المسار السياسي الحالي، مشيرًا إلى أن مجلس الشعب المنتخب حديثًا لا يمثل الإرادة الشعبية، بل يعمل كـ”هيئة مساعدة للرئيس” أقرب إلى جمعية تأسيسية مؤقتة.

وانتقد عملية استبعاد أعضاء اللجنة الانتخابية، ما أدى إلى حرمان ملايين السوريين من التمثيل، لكنه أبدى في الوقت نفسه نظرة إيجابية حين اعتبر أن هذا المجلس قد يشكّل مرحلة انتقالية تمهّد لانتخابات حقيقية تنصف جميع السوريين.

انتكاسة الخطاب الديني وصعود “السلفية المتقعّرة”

يعبّر الدكتور حبش عن قلقه من التراجع الحاد في الخطاب الديني داخل سوريا، حيث تبرز نزعة متشددة تهيمن على الساحة وتقصي الأصوات الصوفية والمتسامحة والعلمانية.

ويرى أن ما يسميه “السلفية المتقعّرة” أصبح تيارًا مؤثرًا يروّج لثقافة تمييز وتنمّر تطال كل المذاهب والطوائف — من العلوية والدرزية إلى المسيحية والإيزيدية — ما يهدد فكرة المواطنة والمساواة.

ويشدد على أن السلفية، رغم حضورها، تبقى أقلية داخل المجتمع السوري، وأن ربط “أهل السنة” بالفاشية الفكرية خطأ جسيم. ويطالب الدولة والمجتمع بالعودة إلى “فقه المساواة” كأساس للحياة العامة.

اللامركزية الإدارية.. وصفة لمنع الاستبداد

يرى حبش أن قانون اللامركزية الإدارية رقم 49 لعام 1957 يمكن أن يشكّل إطارًا عمليًا لحل أزمة الثقة بين السوريين، خاصة بعد تصاعد التوترات في الساحل والسويداء.

ويدعو إلى توسيع الحكم المحلي وتمكين المجتمعات من إدارة مواردها وخدماتها، معتبرًا أن فرض مركزية شديدة بعد سنوات من الصراع والانقسام أمر غير واقعي.

ويقترح تطبيق نظام الإدارة المحلية لمدة خمس سنوات على الأقل كمرحلة انتقالية، مع إبقاء الجيش والخارجية ضمن صلاحيات الحكومة المركزية، مؤكدًا أن اللامركزية هي “الدواء الأنجع لمنع الاستبداد وبناء الاستقرار السياسي”.

المصالح الدولية ليست تهمة

وفي معرض حديثه عن التدخلات الخارجية، يدعو حبش إلى موقف واقعي في التعامل مع المصالح الدولية، معتبرًا أن “البحث عن المصلحة هو سلوك طبيعي لكل دولة”، وعلى سوريا أن تحدد موقعها بما يحقق مصالحها دون الإضرار بغيرها.

ونفى حبش الاعتقاد السائد بأن دول الخليج تعادي الديمقراطية، مشيرًا إلى علاقاتها الوثيقة مع دول ديمقراطية مثل بريطانيا وفرنسا، وإلى تجاربها في دعم لبنان الديمقراطي سابقًا. ويرى أن تلك الدول تتحرك نحو الديمقراطية تدريجيًا بما يتناسب مع استقرار أنظمتها.

وأكد أن التحول الديمقراطي في سوريا لا يشكّل خطرًا على أحد، موضحًا أن ما يقلق الجوار التركي والخليجي هو عودة الإرهاب، لا عودة الحياة السياسية التنافسية.

روسيا.. درس في البراغماتية والتسامح

يشير حبش إلى أن الانفتاح السوري على موسكو رغم إرث الحرب يمثل تحولًا إيجابيًا في السياسة الخارجية السورية، مؤكدًا أن السياسة لا تعرف أعداء أو أصدقاء دائمين.

ويرى في هذا التقارب “رسالة في التسامح والمصلحة الوطنية”، داعيًا إلى أن ينعكس هذا النهج على الداخل السوري من خلال وقف الملاحقات والمحاكمات السياسية وفتح صفحة جديدة عنوانها المصالحة والاعتذار وبناء السلم الأهلي الحقيقي.

ويلفت إلى التناقض القائم بين تسامح الدولة مع أركان النظام السابق في الخارج وتشددها مع صغار الموظفين والمسؤولين في الداخل، داعيًا إلى تصحيح هذا الخلل.

الإسلام السياسي بين الرفض والواقعية

يرفض حبش الحملات التي تستهدف ما يسمى بـ”الإسلام السياسي”، موضحًا أن الإسلام في جوهره كان مشروعًا سياسيًا واجتماعيًا منذ عهد النبي والخلفاء الراشدين.

ويشير إلى أن معظم الأحزاب الإسلامية المنتخبة في العالم الإسلامي، من إندونيسيا إلى موريتانيا، تلتزم بالدستور وتداول السلطة السلمي، ولا تدعو إلى العنف أو نقض المعاهدات الدولية.

ويحذّر من أن الهجوم على “الإسلام السياسي” يُستخدم أحيانًا لتجريم كل من يحمل مرجعية دينية في العمل العام، وهو ما يعده “موقفًا إقصائيًا غير ديمقراطي”.

وفي الوقت نفسه، ينتقد التجربة القومية العربية التي تحولت، بحسبه، من مشروع تحرري إلى نزعة قسرية، ويدعو بدلًا من ذلك إلى “مشروع تضامن عربي” قائم على فتح الحدود وتسهيل التبادل الاقتصادي واحترام التنوع القومي داخل كل بلد.

الخلاف الديني: مسألة لاهوتية لا سياسية

يؤكد حبش أن الصراع بين التيارين الأشعري والسلفي في سوريا ليس سياسيًا بل لاهوتيًّا، وينبغي أن يبقى ضمن الإطار الأكاديمي. فكل تيار يضم متسامحين ومتطرفين على السواء، ولا يمكن اختزاله في موقف سياسي محدد.

ويذكّر بأن السلفيين أنفسهم شاركوا في الثورة ضد النظام السابق، مما ينفي عنهم صفة الولاء المطلق للسلطة. ويرى أن التصنيف الأدق هو بين التيارات المتسامحة والتيارات المتشددة، لا بين المذاهب أو المدارس الكلامية.

من “قداسة الماضي” إلى “قداسة المستقبل”

يختتم الدكتور محمد حبش رؤيته بالتأكيد على أن إعادة بناء الوعي هي المدخل الحقيقي لبناء سوريا الجديدة، داعيًا إلى الانتقال من عبادة الماضي إلى تقديس المستقبل.

ويرى أن دور المثقف يتمثل في قيادة الناس من “غريزة القطيع إلى نعمة العقل”، وتحويل الخطاب العام من الثرثرة إلى الكلام البنّاء.

وفي العلاقات الدينية، يقدّم حبش مفهوم “إخاء الأديان” كبديل عن الحوار أو المقارنة، معتبرًا أنه يقوم على المحبة والاعتراف بالاختلاف دون إقصاء، وهو ما يشكل برأيه الأساس لأي مستقبل آمن ومستقر يعيش فيه السوريون جميعًا، مهما اختلفت معتقداتهم.

اقرأ أيضاً:حملة «أوقفوا خطف النساء السوريات» ترفع الصوت ضد موجة الاختطاف القسري في المناطق العلوية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.