المعابر بين الحكومة و”قسد”.. ضغوط اقتصادية تتجاوز السياسة
تتواصل حالة الإغلاق المتكرر للمعابر بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بعد جولة من التصعيد العسكري الذي شهدته خطوط التماس بين الجانبين، ما انعكس بشكل واضح على الواقع الاقتصادي والمعيشي في مناطق شمال وشرق سوريا، رغم الاتفاقات السابقة لوقف إطلاق النار.
وترتبط مناطق “قسد” مع مناطق الحكومة بعدة معابر رئيسة موزعة في ثلاث محافظات: حلب عند منطقة دير حافر شرقي المحافظة، الرقة في جنوبها، ودير الزور التي يعتمد سكانها على معابر نهرية وترابية غير مجهزة للتنقل بين ضفتي الفرات.
الإغلاق الأخير الذي بدأ قبل أكثر من أسبوعين، شكّل ضغطًا مضاعفًا على الأهالي والتجار المحليين، خصوصًا أولئك الذين يعتمدون في نشاطهم التجاري على الحركة بين المنطقتين.
أبعاد سياسية بغطاء اقتصادي
يرى المحلل الاقتصادي رضوان الدبس أن إغلاق المعابر يحمل أبعادًا سياسية في المقام الأول، إذ يُستخدم كأداة ضغط متبادلة بين الجانبين، أكثر مما هو قرار اقتصادي بحت.
ويشير الدبس إلى أن منع التنقل وفرض الضرائب المرتفعة يضاعف معاناة السكان، الذين يعانون أصلًا من ضعف القدرة الشرائية سواء في مناطق الحكومة أو مناطق “قسد”.
ويأتي الإغلاق الأخير، بحسب الدبس، بعد توترات عسكرية شهدها مطلع تشرين الأول/أكتوبر الجاري، حين أغلقت الحكومة طريق حلب–مناطق “قسد” لأسباب عسكرية، تلاها إغلاق لمعابر في الرقة ودير الزور، رغم غياب اشتباكات مباشرة هناك.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ما زالت المعابر مغلقة، وسط مطالبات محلية بإعادة فتحها لتخفيف الأعباء عن الأهالي.
المعابر.. شريان تجاري وإنساني
تلعب هذه المعابر دورًا أساسيًا في التبادل التجاري بين الجانبين، خصوصًا في السلع الغذائية والزراعية.
فالتجار يستوردون المواد القادمة من العراق عبر المعابر التي تسيطر عليها “قسد”، بينما تتدفق من مناطق الحكومة منتجات صناعية وغذائية مختلفة.
ويقول عبد الله خليل، تقني أطراف صناعية في مدينة دير الزور، إن مرضاه من مناطق “قسد” باتوا عاجزين عن الوصول إلى مركزه الطبي بسبب الإغلاق المتكرر.
في السياق ذاته، يؤكد خالد الكدرو، تاجر مواد غذائية من دير الزور، أن تجارته تراجعت بشكل كبير بعد إغلاق الطرق والمعابر، موضحًا أنه كان يعتمد على زبائن من مناطق سيطرة “قسد”.
عدد من التجار في الرقة والحسكة أشاروا أيضًا إلى ارتفاع كبير في الأسعار عقب الإغلاق، إذ تضاعفت أسعار بعض الخضراوات ثلاث مرات نتيجة نقص المعروض.
وقال أحدهم –رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية– إن إغلاق المعابر رفع تكاليف المعيشة اليومية وأدى إلى نقص في المواد الأساسية، داعيًا إلى تحييد المدنيين عن الخلافات السياسية.
وفي قطاع الأدوية، أوضح تاجر أدوية في الرقة أن توقف المعابر أدى إلى انقطاع توريد أصناف أساسية كانت تصل من دمشق وحمص، ما تسبب بنقص حاد وارتفاع أسعار الأدوية بنسبة تجاوزت 50%، خاصة أدوية الأمراض المزمنة.
أما في قطاع الأقمشة، فأشار تاجر من القامشلي إلى أن مخزونه فرغ بالكامل بعد توقف الإمدادات من حلب، ما رفع أسعار القماش المتبقي وأوقف العديد من ورشات الخياطة عن العمل.
اقتصاد اجتماعي متضرر
يصف المحلل الاقتصادي رضوان الدبس هذا الأثر بأنه يطال ما يسميه “الاقتصاد الاجتماعي” القائم على حركة الأفراد الصغيرة والأنشطة اليومية التي تربط التجار والسكان عبر خطوط السيطرة.
ويشرح أن مناطق “قسد” تمتلك موارد أولية كالنفط والقمح والزراعات، لكنها تفتقر إلى المصانع القادرة على تحويلها إلى منتجات استهلاكية، بينما تملك مناطق الحكومة قاعدة صناعية لكنها تفتقر إلى المواد الخام، ما يجعل العلاقة الاقتصادية بين الطرفين تكاملية لا يمكن الاستغناء عنها.
ويرى الدبس أن العلاقات العائلية والعشائرية بين السكان في الجانبين تعزز من أهمية هذه الممرات، التي تُستخدم أيضًا للتنقل بهدف التعليم أو العلاج، وهو ما ينعكس على النشاط الاقتصادي المحلي بشكل مباشر.
ويؤكد أن الطلاب والمرضى هم الشريحة الأكثر تضررًا من الإغلاق، باعتبارهم غير منخرطين في الصراع السياسي، لكنهم يدفعون ثمنه.
النفط.. الرابط الاقتصادي الأهم
تسيطر “قسد” على نحو ثلث الأراضي السورية، وتضم مناطقها أهم حقول النفط والغاز في البلاد، بما في ذلك حقول “الرميلان” و“السويدية” و“العمر” و“التنك”. وتشير التقديرات إلى أن شرق الفرات يحتوي على نحو 90% من الثروة النفطية و45% من الغاز الطبيعي السوري.
وبحسب المحلل الدبس، فإن إغلاق المعابر يؤثر مباشرة على تجارة المشتقات النفطية التي تعتمد عليها الحكومة السورية عبر آلية شراء غير مباشرة من “قسد”.
ويؤكد أن توقف الإمدادات النفطية ينعكس سريعًا على قطاعات النقل والصناعة، بينما يبقى أثر توقف المواد الأخرى أقل نسبيًا.
وفي تموز الماضي، قال رياض جوباسي، معاون مدير الإدارة العامة لشؤون النفط في وزارة الطاقة، لشبكة “رووداو” إن الحكومة تشتري النفط من مناطق سيطرة “قسد” عبر وسطاء ومقاولين، وليس عبر اتفاق رسمي مباشر، موضحًا أن الأسعار التي تحصل عليها الحكومة “تفضيلية ومريحة”، بحسب تعبيره.
وتشير التقديرات إلى أن الحكومة تشتري من مناطق “قسد” نحو 15 ألف برميل يوميًا وفقًا لحاجة المصافي المحلية.
خلاصة المشهد
الإغلاق المتكرر للمعابر بين الحكومة و“قسد” لا يبدو أنه مجرد إجراء أمني أو اقتصادي، بل انعكاس مباشر لصراع النفوذ القائم في سوريا.
ومع استمرار حالة الإغلاق رغم اتفاقات وقف إطلاق النار، يبدو أن المدنيين والتجار الصغار هم الطرف الأكثر خسارة في معادلة تتجاوز حدود الاقتصاد، لتتحول إلى أداة ضغط سياسي تحمل في طياتها مزيدًا من التدهور المعيشي في كلا الجانبين.