الاعتراض… وليس المعارضة

داما بوست -إليانا الدروبي

كيانات وأحزاب، تجمعات وأفراد، في الداخل والخارج… تصريحات وبيانات، علاقات واتصالات مع دول داعمة، مفاوضات ولجان دستورية، وجماعات مسلحة… كان هذا هو المشهد الواسع لنشاط المعارضة السورية قبل سقوط النظام.

لكن أين هم اليوم؟ وماذا بقي من دورهم ونشاطهم؟

من المعارضة إلى الغياب:

في الأيام الأولى بعد السقوط، صدرت عن عدد من المعارضين السوريين في الداخل تصريحات اتسمت بالتردد أو الغموض، حملت في مجملها مزيجاً من القبول والترقب للوضع الجديد. بعضهم أبدى فرحاً وترحيباً بالتغيير الحاصل، فيما حمّل آخرون النظام السابق مسؤولية انهيار الدولة السورية بشكلها القديم.

أما الأجسام المعارضة في الخارج، فقد سارعت إلى زيارة السلطة المؤقتة وتهنئتها بالحكم، قبل أن تختفي تماماً عن المشهد، ولم يبق منها إلا تصريحات متفرقة بين الحين والآخر.

قرارات مفصلية ونهاية مرحلة:

بعد مؤتمر النصر الذي عُقد في 29 كانون الثاني/يناير 2025، وأُعلن فيه أحمد الشرع رئيساً مؤقتاً لسورية، صدرت مجموعة قرارات بحل الأحزاب السياسية ومجلس الشعب والتشكيلات السابقة، في خطوة أنهت فعلياً كل أشكال الحراك السياسي في “سورية الجديدة”.

ورغم الاعتراض الواسع من بعض الأحزاب، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي حذّر من أن القرارات تهدد شكل الدولة، والحزب الشيوعي السوري الذي رفض حلّ نفسه واعتبر الخطوة “جائرة”، فإن القرارات مضت في طريقها.

ولادة تشكيلات جديدة:

خلال الأشهر الماضية، تم الإعلان عن تشكيلات سياسية جديدة، بعضها جمع كيانات سابقة، مثل تجمّع القوى الوطنية الديمقراطية الذي ضم أحزاباً عدة: الحزب الشيوعي السوري، حزب البعث الديمقراطي، التيار المدني الديمقراطي، الحزب الشيوعي السوري الموحّد، حزب الإرادة الشعبية، وتجمّع سورية الديمقراطية.

وفي المقابل، ظهرت تشكيلات أخرى تضم شخصيات مستقلة مثل الكتلة الوطنية، التي تدعو إلى دولة مدنية ديمقراطية على أساس اللامركزية، ومن أبرز أعضائها: د.هيثم مناع، طارق الأحمد، راميا الإبراهيم، د.ناصر الغزالي، فرنسيس طنوس، رضوان المقداد، ماجد حبو، وغيرهم.

نشاطات بلا تأثير:

تشير مصادر في الحكومة المؤقتة إلى أن بعض الأحزاب التي كانت معارضة للنظام السابق استعادت نشاطها عبر البيانات والتصريحات فقط، من دون أن تمتلك مقرات أو هياكل تنظيمية، ما يجعل تأثيرها السياسي محدوداً.

في المقابل، يتحدث معارضون من الخارج عن أعضاء داخل البلاد يخفون هويتهم خوفاً من التبعات الأمنية.

إعادة التموضع:

التحولات الراهنة دفعت عدداً من الأحزاب إلى إعادة ترتيب صفوفها، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان منقسماً إلى تيارات عدّة، فأعاد بعض قادته ومنهم طارق الأحمد ترتيب صفوفه قبل الانضمام إلى “الكتلة الوطنية”.

كذلك ظهرت شخصيات سورية مستقلة تصنف نفسها ضمن تجمعات اجتماعية وسياسية رافضة لسياسات السلطة المؤقتة، لكنها تعمل بسرية خوفاً من الملاحقة، كما حدث مع المعارض فاتح جاموس الذي استُدعي للتحقيق رغم سجله النضالي، أو السياسي خالد العبود الذي انتقد القيادة الحالية عبر وسائل التواصل، فتم اعتقاله وتغييبه حتى اليوم.

رفض الحكم الجديد… وبحث عن بديل:

من بين الحراك السياسي الجديد برزت تشكيلات ترفض التشارك مع السلطة المؤقتة، خصوصاً بعد ما وُصف بـ”المجازر” في مناطق الساحل والسويداء وغيرها.

هذه التشكيلات تضم شخصيات معارضة تعيش في الخارج مثل منى غانم، وأخرى غادرت سورية قبل سقوط النظام مثل كنان وقاف وأمجد بدران، أو فرت لاحقاً من أحداث دامية.

أبرز هذه الكيانات: المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا، حركة النهج الوسطي، حركة التحرير الوطني، المجلس الإسلامي العلوي، وغيرها.

السمة الأبرز لهذه التشكيلات هي رفضها المطلق للحكم الحالي، واقتناعها بالعجز عن التعايش معه، مع تلقيها دعماً خارجياً من دول كروسيا والإمارات.

بعضها يقوم على خلفية دينية أو طائفية مثل المجلس الإسلامي العلوي في سورية والمهجر بقيادة الشيخ غزال غزال، أو المجلس الوطني في السويداء بقيادة الشيخ حكمت الهجري.

والأخطر أن بعض أعضائها يقبلون التعاون مع الكيان الصهيوني، بل ويعوّلون عليه في التخلص من السلطة الحالية.

جدوى المعارضة… وسؤال التأثير:

رغم تنوع التشكيلات المعلنة والسرّية، يبقى الشك قائماً في مدى فعاليتها.

ويُستثنى من ذلك قوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي تمتلك قاعدة شعبية واضحة ذات توجه قومي كردي، وتسيطر على مساحة جغرافية واسعة بدعم دولي كبير، ما جعلها من أبرز المستفيدين من التغييرات الحالية.

لكن ماذا عن بقية المعارضات الجديدة التي تدعو السوريين للانضمام إليها عبر الإنترنت؟

وكيف ستتعامل معها الحكومة المؤقتة التي تبنت لوناً سياسياً واحداً، ورفضت إشراك أي مكوّن اجتماعي كان موالياً للنظام السابق رغم أنه يشكل نسبة كبيرة من المجتمع؟

هل ستقدّم هذه القوى تنازلات وضمانات للبقاء؟ وإذا فعلت، فكيف ستحافظ على مصداقيتها في الدفاع عن المظلومين والمضطهدين؟

الاعتراض بدل المعارضة:

الكثير من هذه القوى ترفض انتهاكات تؤذي السوريين، لكنها تعمل من الخارج، مما يجعل تأثيرها محدوداً.

كما أن معظمها يرفض الحكم الإسلامي المتشدد الذي تمثله السلطة الحالية، لكن التأثير في مجتمع يميل نحو التدين وربما التطرف يبدو مهمة صعبة.

من هنا، ربما لم تعد المعارضة السياسية هي الحل في سورية المعقدة اليوم.

بل قد يكون الاعتراض الاجتماعي والثقافي، أي صوت المواطن والنخبة الواعية، هو الطريق الأجدى، لأن السوريين لم يتقنوا بعد فن العمل المعارض الحقيقي القائم على خدمة الناس لا الصراع على السلطة.

المعارضة الحقيقية يجب أن تولد من معاناة المجتمع وهمومه اليومية، لا أن تبقى أسيرة التوصيفات والتنظيمات والانقسامات.

فالسلطة الحالية المدعومة دولياً والممتدة شعبياً أثبتت أنها واقع لا يمكن تجاوزه بسهولة، بعدما أطاحت بنظامٍ دام ستين عاماً، ومعه كل المعارضات السابقة.

إذن، هل يكفي إصدار البيانات والبيانات المضادة؟

ربما آن الأوان للانتقال من المعارضة السياسية التقليدية إلى الاعتراض المجتمعي الواعي.

فالاعتراض على التجاوزات، والدفاع عن المظلومين، وترسيخ قيم العدالة والمواطنة، هي الأسس التي يمكن أن تنقذ السوريين من فوضى قد تغرق الجميع.

إقرأ أيضاً: هيئة تحرير الشام: رحلة التحولات من الجهاد إلى البراغماتية، هل يمكن الوثوق بها؟ (الجزء الأول)

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.