إشارات الانفتاح التجاري من أوروبا.. هل تعيد الحياة إلى الصادرات السورية؟
بعد نحو عشرين عامًا من العزلة الاقتصادية، تعود المنتجات السورية لتجد طريقها مجددًا نحو الأسواق الأوروبية. فالرفع الجزئي للعقوبات الأوروبية عن بعض القطاعات المدنية فتح باب النقاش حول إمكانية استئناف التصدير، خاصة في مجالات الصناعات الغذائية والزراعية التي لطالما اشتهرت بها سوريا بجودتها وأسعارها المنافسة.
ورغم أن حركة التجارة المباشرة لا تزال محدودة، إلا أن العديد من التجار السوريين في أوروبا يؤكدون أن السوق الأوروبية “لم تنسَ النكهة السورية” — من المكدوس والملوخية إلى زيت الزيتون والدبس وقمر الدين.
شبكات تصدير غير مباشرة عبر لبنان
خلال السنوات الماضية، لجأ عدد من المصنعين السوريين إلى تصدير منتجاتهم إلى أوروبا عبر وسطاء لبنانيين، في محاولة للالتفاف على العقوبات المفروضة.
ويقول أحد التجار السوريين، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن “شركات لبنانية تولّت تصدير منتجات سورية الصنع تحت علامة لبنانية”، مضيفًا أن بعض هذه الشركات ما زال يعتمد هذا الأسلوب حتى اليوم، مستفيدًا من السمعة الجيدة التي اكتسبتها العلامة السورية في الأسواق الخارجية.
ويرى التاجر أن رفع العقوبات عن بعض القطاعات يشكّل “فرصة حقيقية” لإعادة التواصل التجاري المباشر، دون الحاجة إلى وسطاء. ويضيف أن “هذا الانفتاح سيعيد المنافسة الطبيعية إلى السوق، ويضمن استفادة المزارعين السوريين من أسعار أفضل، خصوصًا في ظل الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقطاع الزراعي خلال سنوات الجفاف”.
أصوات من برلين: الطلب موجود لكن القنوات غائبة
في شارع العرب بالعاصمة الألمانية برلين، الذي يضم عشرات المتاجر السورية، يعبّر محمد عنيزان، تاجر المواد الغذائية، عن تفاؤله الحذر قائلاً: “الطلب على المنتجات السورية مرتفع، خصوصًا بين الجالية العربية، لكننا نعتمد على وسطاء من تركيا أو لبنان لتأمين البضائع، ما يرفع الأسعار إلى الضعف أحيانًا. فتح خطوط تصدير مباشرة من سوريا سيوفر نصف التكاليف ويضمن جودة أفضل”.
بدوره، يرى التاجر سليمان تقي الدين، صاحب متجر في السوق الصيني ببرلين، أن إعادة فتح التصدير سيكون لها انعكاسات واسعة داخل سوريا، مضيفًا: “خلال سنوات الحرب، تعطلت آلاف الورش والمعامل الصغيرة التي كانت تعتمد على التصدير. عودة الحركة التجارية تعني فرص عمل جديدة، وتحريك عجلة الإنتاج، وزيادة تدفق القطع الأجنبي الذي تحتاجه البلاد بشدة”.
ويشدد تقي الدين على أن دور غرف التجارة والصناعة والزراعة سيكون أساسيًا في المرحلة المقبلة، عبر “تأمين المواصفات والمعايير التي تطلبها الأسواق الأوروبية، وتسهيل تواصل المنتجين السوريين مع المستوردين”.
التصدير المحدود.. تأثير مضاعف على الاقتصاد
الخبير الاقتصادي حسن حيدر العيلي يرى أن أي انفتاح تجاري — ولو جزئي — يمكن أن يكون له أثر مباشر على الاقتصاد السوري، موضحًا أن “كل دولار يدخل من الخارج يحرك الدورة الاقتصادية الداخلية، ويخلق فرص عمل في قطاعات الزراعة والصناعات الصغيرة”.
ويضيف العيلي أن الاقتصاد السوري أصبح “شبه مغلق على ذاته”، وأن التصدير هو السبيل الواقعي لإعادة التوازن، نظرًا لتراجع القطاعات الكبرى وضعف الاستثمار الداخلي. ويقول:
“المنتجات الغذائية والحرفية السورية تمتلك ميزة تنافسية طبيعية — من الصابون الحلبي إلى الزعتر والمكدوس والمربيات — وهذه الصناعات يمكن أن تكون بوابة واقعية للانتعاش”.
أوروبا بين الحذر والانفتاح
ورغم التفاؤل المتزايد بين أوساط التجار، تبقى التحديات القانونية والسياسية قائمة، فالتصدير إلى أوروبا يحتاج إلى الالتزام الصارم بمعايير المنشأ والجودة وسلاسل التوريد. ومع ذلك، يرى خبراء أوروبيون أن رفع العقوبات الجزئي قد يفتح الباب أمام عودة تدريجية للمنتجات السورية، خاصة في القطاعات الغذائية والزراعية.
وتشير مؤشرات السوق في ألمانيا — التي تضم أكبر جالية سورية في أوروبا — إلى وجود طلب متنامٍ على المنتجات الشرقية الأصيلة، ما يمنح المنتج السوري فرصة لاستعادة مكانته تدريجيًا.
من العراق إلى فيتنام.. دروس ما بعد العزلة
تجارب دول أخرى مثل العراق وفيتنام قد تحمل دروسًا مفيدة لسوريا.
ففيتنام، التي خرجت من حرب مدمّرة، ركّزت على دعم المزارعين والمشاريع العائلية، لتصبح ثاني أكبر مصدر للبن في العالم. أما العراق، فاستفاد من التعاون مع شركات وسيطة في الأردن وتركيا لإعادة إدخال منتجاته إلى الأسواق الإقليمية رغم العقوبات الطويلة.
ويختم العيلي بالقول: “يمكن للزراعة والصناعات الغذائية المنزلية أن تكون نقطة البداية في أي نهوض اقتصادي بعد الحرب، شرط أن تعمل غرف التجارة السورية على بناء قنوات تصدير شفافة ومباشرة مع أوروبا. فالأمر لا يتعلق فقط بالمال، بل باستعادة الثقة بالمنتج السوري وإعادته إلى مكانه الطبيعي على رفوف المتاجر الأوروبية”.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة