حمص تواجه اغتيالات بالدراجات النارية وسط اتهامات بالتغيير الديموغرافي
تشهد محافظة حمص وسط سوريا موجة غير مسبوقة من الاغتيالات العشوائية التي ينفذها مسلحون يستقلون دراجات نارية، ويجوبون الأحياء العلوية، مستهدفين السكان دون تمييز، في ظاهرة آخذة بالتصاعد وتحمل في طياتها أبعاداً أمنية وديموغرافية مقلقة.
“دراجات الموت” تجوب أحياء حمص: رصاص عشوائي لا يرحم:
تشير مصادر محلية وشهود عيان لـ “اندبندنت عربية” إلى أن ما يُعرف محلياً بـ”دراجات الموت”، التي يقودها مسلحون يحملون بنادق كلاشينكوف ومسدسات وقنابل يدوية، أصبحت تجوب أحياء مثل وادي الذهب، بيت الطويل، عكرمة، والخضري بعد غروب الشمس وحتى منتصف الليل، مطلقة الرصاص بشكل عشوائي على المارة والمنازل، ما تسبب في مقتل الطفلة غنى الحسن (14 عاماً) مؤخراً أثناء وقوفها على شرفة منزلها.
استهداف الفقراء في أحيائهم:
تُظهر التحقيقات أن الهجمات تتركز في أحياء علوية فقيرة، حيث لا يُستهدف أفراد بعينهم، بل يتم إطلاق النار على البيوت والشوارع بشكل عشوائي، وهو ما يُفسر بأنه استهداف للبيئة الاجتماعية برمتها، وليس لأشخاص محددين. يقول أحد السكان: “لم نعد نأمن على حياتنا حتى داخل بيوتنا، الرصاص يخترق الشرفات والنوافذ”.
مسلحون خارج السيطرة وأهداف ترهيبية وتهجيرية:
وبحسب معلومات أمنية نقلتها صحيفة “اندبندنت عربية”، فإن المتورطين ليسوا من عناصر الجيش أو الشرطة، بل مسلحون محليون عادوا إلى المدينة بعد سنوات من التهجير، ويسعون للثأر ممن يعتبرونهم “أعداء الماضي”، أو يستخدمون السلاح لأهداف ترهيب السكان وتهجيرهم قسراً من أحيائهم.
بيع المنازل تحت التهديد ومصادرة الأملاك:
تتحدث تقارير عن استملاك قسري لعقارات في الأحياء الفقيرة، حيث يجبر السكان على بيع منازلهم بمبالغ رمزية تحت التهديد، ما يشير إلى مخطط ممنهج لتغيير ديموغرافي في بعض القطاعات الحيوية داخل حمص، تحت ستار الفوضى الأمنية.
حملة “حمص خالية من الدراجات النارية”: حل أم عقاب جماعي؟
رداً على هذه الفوضى، أعلنت السلطات المحلية في حمص عن حملة أطلقتها بعنوان “حمص خالية من الدراجات النارية”، تشمل مصادرة جميع الدراجات، المرخصة وغير المرخصة، بحجة مكافحة الجريمة والحد من الإزعاج.
الفقراء يدفعون الثمن:
إلا أن القرار أثار استياءً واسعاً بين الطبقات الفقيرة، إذ يعتمد كثيرون على الدراجات النارية كوسيلة تنقل وحيدة في ظل ارتفاع أجور النقل العام. يقول أحد عمال البناء: “سحب دراجتي يعني سحب رزقي، كأنهم يريدون معاقبة الفقراء بدلًا من المجرمين”.
تهجير ممنهج أم أزمة أمنية عابرة؟
يرى مراقبون أن ما يجري في حمص ليس حدثاً معزولاً، بل جزء من سلسلة تحركات ديموغرافية واسعة تطال مناطق سورية عدة، خاصة بعد هجمات استهدفت العلويين في الساحل، والدروز في السويداء، وأدت إلى موجات نزوح جماعي نحو لبنان ومناطق أخرى.
استملاك أراضٍ في ريف حماة واتهامات بتغيير ديموغرافي:
في سياق متصل، تؤكد مصادر محلية استملاك أراضٍ ومنازل في أكثر من 23 قرية في ريفي حماة الشمالي والشرقي، أبرزها: الزغبة، الطليسية، معان، الفان، الطوبا، ومريود. وتُتهم جهات نافذة بتوزيع هذه الأراضي على شركات استثمارية أو مهجرين جدد دون موافقة المالكين الأصليين، ما أثار جدلاً واسعاً.
الحكومة تنفي… لكن الشهادات توثق:
رغم النفي الرسمي من مسؤولي منطقة السقيلبية بخصوص أي عمليات تهجير قسري أو استيلاء على أراضٍ في سهل الغاب، إلا أن شهادات عديدة من سكان القرى والمهجرين توثق ما حصل، وتؤكد أنهم أُجبروا على الرحيل تحت التهديد، فيما بدأ استثمار أراضيهم دون عقود أو تعويض.
هل الهدف اقتصادي أم أمني أم ديموغرافي؟
يتفق خبراء على أن ما يجري في حمص وسواها من المناطق لا يمكن فصله عن أهداف أوسع، تتقاطع فيها مصالح أمنية وسياسية واقتصادية، بدءاً من ضبط البيئات “الساخنة” أمنياً، مروراً بمحاولات تبديل البنية السكانية، ووصولاً إلى استثمارات واسعة في أراضٍ خصبة غنية بمحاصيل كالزيتون والفستق الحلبي.
قلق شعبي يتصاعد:
في ظل هذه الأحداث، يبقى الهمّ الأكبر لدى السكان هو الخوف من الغد، وسط غياب واضح لحلول شاملة، وقرارات تعاقب الضحايا بدلاً من الجناة. ووسط هذا القلق، تتزايد المخاوف من أن تتحول حمص إلى نموذج مصغر للفوضى السورية الأشمل، إن لم يتم ضبط الأمور أمنياً وإنصاف السكان الأصليين ووقف نزيف الهجرة والتهجير.
إقرأ أيضاً: حملة تهجير قسري ممنهجة تستهدف قرى علوية في سهل الغاب
إقرأ أيضاً: الحل نت: سياسات الشرع المركزية تعمّق الانقسامات وتدفع سوريا نحو اللامركزية